للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(١) وحديث: ((إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها)) (٢). قال شيخ الإسلام معلقا على هذه الأحاديث: "فثبت بالسنة والإجماع أن الله يوصف بالسكوت. لكن السكوت يكون تارة عن التكلم، وتارة عن إظهار الكلام وإعلامه، كما قال في الصحيحين عن أبي هريرة: ((يا رسول الله: أرأيتك سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول؟ قال أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب ... )) (٣) إلى آخر الحديث، فقد أخبره أنه ساكت، وسأله ماذا تقول؟ فأخبره أنه يقول في حال سكوته، أي سكوته عن الجهر والإعلان. لكن هذان المعنيان المعروفان في السكوت، لا تصح على قول من يقول: إنه متكلم كما إنه عالم، لا يتكلم عند خطاب عباده بشيء، وإنما يخلق لهم إدراكا ليسمعوا كلامه القديم، سواء قيل: هو معنى مجرد، أو معنى وحروف، كما هو قول ابن كلاب والأشعري، ومن قال بذلك من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية من الحنبلية وغيرهم، فهؤلاء إما أن يمنعوا السكوت – وهو المشهور من قولهم – أو يطلقوا لفظه ويفسروه بعدم خلق إدراك للخلق يسمعون به الكلام القديم، والنصوص تبهرهم، مثل قوله: إذا تكلم الله بالوحي ... " (٤) والله تعالى فرق بين إيحائه وتكليمه كما في قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء [الشورى: ٥١]، وغيرها، وكذا تكليم عباده يوم القيامة، وغير ذلك من النصوص، وكلها تدل على تجديد تكليم من جهته تعالى (٥).وقد حاول بعض الحنابلة – كالقاضي أبي يعلى وابن الزاغوني – أن يفسروا قول الإمام أحمد: "لم يزل الله متكلما إذا شاء" بما يوافق مذهبهم الكلابي، وقد ناقش شيخ الإسلام هذه المسألة وبين خطأ هؤلاء في تفسيرهم لكلام الإمام أحمد، مبينا أن تفسير هؤلاء – وغيرهم – للسكوت بأنه عدم خلق إدراك لغيره – غير معقول (٦).

وجمهور الأشاعرة يمنعون من أن يوصف الله بالسكوت ويجعلون ذلك من حججهم على قولهم بأن كلام الله قديم، فإن لهم في ذلك حجتين:


(١) رواه الترمذي (١٧٢٦) , وابن ماجه (٣٣٦٧) من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه, قال الترمذي: غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه, وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (٤/ ١٨٥): معنى هذا الحديث ثابت في الصحيح, وحسنه الألباني في ((صحيح الترمذي)) و ((صحيح ابن ماجه)).
(٢) رواه الدارقطني (٤/ ١٨٣) (٤٢) , والطبراني في ((الكبير)) (٢٢/ ٢٢١) (٥٨٩) , والبيهقي (١٠/ ١٢) كلهم من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه, قال ابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (٢/ ٩٦٥): غريب ومكحول لم يسمع من أبي ثعلبة, وقال الذهبي في ((المهذب)) (٨/ ٣٩٧٦): موقوف ومنقطع، لم يلق مكحول أبا ثعلبة, وضعفه الألباني في ((غاية المرام)) (٤).
(٣) رواه البخاري (٧٤٤) , ومسلم (٥٩٨).
(٤) مجموع ((الفتاوى)) (٦/ ١٧٩،١٨٠) وانظر: ((الفرقان بين الحق والباطل – مجموع الفتاوى –)) (١٣/ ١٣١).
(٥) انظر: ((درء التعارض)) (٤/ ١٢٨ - ١٢٩).
(٦) انظر: تفصيل ذلك في ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ١٥٧ - ١٦٣)، و ((شرح الأصفهانية)) (ص: ٢٠٤ - ٢٠٥) – ت السعوي – ط على الآلة الكاتبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>