للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"إن هذا الطريق وهو السيرة المختصة بالسالكين إلى الله تعالى عند قطع المنازل والترقي في المقامات ينقسم بحسب اختلاف أحوالهم إلى ثلاثة أقسام لكل قسم منها طريقة:

فالقسم الأول ذوو الامزجة الكثيفة والأفهام الضعيفة الذين يعسر عليهم محاولة التعلم من طريق التعليم، فطريقهم يستقيم بالعبادة والتنسك والزهادة والصلاة والصوم وتلاوة القرآن والحج والجهاد وغيرها من الأعمال الظاهرة، لأن هذه الطائفة لصلابة أبدانها وقوة أركانها تتحمل مشاق العبادة والسالكون بهذا الطريق لا يزالون على هذه المناهج حتى يرقوا لأرفع المعارج ويقربون من مواطن تنزلات المعارف – وإذا وصلوا إلى هذا الحد –"، فحينئذ يكشف لهم عن سبحات المحبوب ويرون عجائب الغيوب ويتلقون عرائس الأسرار، وهذه الطرق صعبة جداً والواصل بها على خطر عظيم.

أما الثانية وهي طريقة أهل الخصوص وهم من ذوى الأفهام اللوذعية والأخلاق الرحبة والهياكل النورانية والنفوس الأبي، أولئك الذين قد لا يملكون نفوسهم في حال النزوات فطريقهم المجاهدات .. والسالكون بها لا يزالون يرتاضون في قلع ما انطبع في نفوسهم من الأخلاق الذميمة إلى أن تذهب تلك الطباع المكتسبة وترجع إلى فطرتها السليمة. والقسم الثالث هم ذوو النفوس الرضية والعقول الزكية والفطرة الصديقية التي أبدان أصحابها في نهاية الاعتدال واللطافة، وطريقهم طريق المطلوبين إلى الله والطائرين إليه، وهي طريق المحبوبين المخطوبين من رب العالمين، وملاك السير بها صفاء القلب، وصدق الحب، والتحقق ظاهراً وباطناً جهراً وسراً بشعائر التصديق، فيخرج عن حوله وقوته وعقله وفطنته إلى حول الله وقوته" (١).وقال أيضاً:"وبما أن التصوف هو زبدة الديانات ولبها وليس مجرد تقاليد وطقوس وقواعد ظاهرية كان لكل ديانة تصوفها" (٢). وهذا الكلام فيه التصريح بأن التصوف لم يكن نبعه الإسلام فقط، وإنما هو زبدة الديانات أي أنه ملفق من ديانات شتى، وفيه أيضاً التصريح بأنه ليس مجرد تقاليد وطقوس وقواعد ظاهرية.

والإسلام كما هو معلوم فيه بيان شامل لكل ما يحتاجه المسلم وهو نظام كامل، ولا يجوز تسميته مجرد تقاليد وطقوس، على أن القواعد الظاهرية نسبة إلى الظاهر يقصد بها قواعد الشريعة الذين يسميهم الصوفيون أهل الظاهر.

وقد فرق أيضاً بين الزاهد والصوفي:

بأن الزاهد هو الذي ينصرف عن الملاذ الدنيوية وينكر على نفسه جميع شهواته وإن أحلها الشرع، ويتحمل مرارة الجوع والعطش بصفة مستمرة وصوم دائم .. لا يفعل كل ذلك إلا طمعاً في ربح الآخرة والمكافأة بجنات النعيم. وأما الصوفي فلا يرجو من ذلك شيئا وإنما همة الوقت الحاضر وهدفه أن زهد وأن عبد معرفة الله والاتصال برضوانه" (٣).

ومعنى هذا أن الجنة والنار لا قيمة لها في نظر الصوفي:"لم يبلغ الأبدال ما بلغوا بصوم ولا صلاة، ولكن بالسخاء والشجاعة وذمهم أنفسهم عند أنفسهم" (٤)، وهذا الكلام فيه الاستهانة بشرائع الإسلام حيث فضل السخاء والشجاعة وذم النفس على الصوم والصلاة. وقال أيضاً: "إن الله يفتح للعارف وهو على فراشه ما لا يفتح لغيره وهو قائم يصلي" (٥)، وهذه دعوى صريحة إلى التكاسل في الطاعات وتعريض بقلة فضل الصلاة.

وتتضح منزلة التكاليف عند بعض أولياء الصوفية عند الشعراني في تراجمه لكثير من أعلامهم بما لا يدع مجالاً للشك في إلحاد وزندقة هؤلاء الذين يسميهم أولياء ويترضى عنهم أيضاً.


(١) انظر: ((جمهرة الأولياء)) (١/ ١٥٧ - ١٥٨).
(٢) ((جمهرة الأولياء)) (ص ١٥٥).
(٣) ((جمهرة الأولياء)) (ص ١٥٦).
(٤) ((جمهرة الأولياء)) (٢/ ١٧٥).
(٥) ((الرسالة القشيرية)) (٢/ ٦٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>