للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ناحية أخرى، فلو فرضنا جدلاً صحة هذا الحديث فليس فيه دلالة على جواز الذكر الجماعي، فهو صريح الدلالة على أن ذلك كان للبيعة - أو لتجديد البيعة - وليس لمجرد الذكر، لاسيما وقد أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم برفع الأيدي، فهذا للمبايعة، ولا يشترط - بل ولا يستحب - في الذكر.

ثانياً: الأحاديث الكثيرة الواردة في فضل مجالس الذكر، والتي منها:١ - ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول تعالى: أنا عند ظن عبدي بي. وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ... )) (١) الحديث. والشاهد في قوله: ((وإن ذكرني في ملأ)) فدل على جواز الذكر الجماعي (٢).٢ - ما جاء في صحيح مسلم عن معاوية أن رسول الله خرج على حلقة من أصحابه فقال: ((ما أجلسكم)) قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومنَّ به علينا. فقال: ((آلله ما أجلسكم إلا هذا)) قالوا: الله ما أجلسنا إلا ذلك. فقال: ((أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة)) (٣).٣ - ما رواه أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلى من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلى من أن أعتق أربعة)) (٤) وغير ذلك من الأحاديث التي ورد فيها فضل مجالس الذكر وفضل الاجتماع عليه

واستدلوا كذلك ببعض الأحاديث التي ورد فيها ذكر الدعاء الجماعي، وهي أقرب ما يمكن أن يُستدل به في هذا الموضوع؛ لو سلمت من الطعن، وها هي بين يديك، مع ما قاله الأئمة المعتمدون في علم الجرح والتعديل في رواتها وأسانيدها. الحديث الأول: عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه بعدما سلم وهو مستقبل القبلة، فقال: ((اللهم خلِّص الوليد بن الوليد، وعياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، وضعفة المسلمين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، من أيدي الكفار)) (٥). أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (٦)، وابن جرير في تفسيره (٧). وفي سنده علي بن زيد بن جدعان، قال ابن حجر في (التقريب): ضعيف (٨)، ونقل الذهبي في السير (٩) تضعيفه عن أحمد بن حنبل والبخاري والفلاس والعجلي، وغيرهم انتهي. ومع الضعف الذي في علي بن زيد، فليس فيه دليل على الدعاء الجماعي، وهذه الرواية مخالفة لما جاء في الصحيحين، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول: ((اللهم أنج عياش ... )) (١٠) الحديث. أي يقول هذا الدعاء في قنوت الفجر، قبل الخروج من الصلاة.


(١) رواه البخاري (٧٤٠٥) ومسلم (٢٦٧٥)
(٢) ((ما جاء في البدع)) (ص ٤٨ رقم ٢٥).
(٣) رواه مسلم (٢٧٠١)
(٤) رواه أبو داود (٣٦٦٧) وأحمد (٥/ ٢٥٥) (٢٢٢٤٨) والطبراني في ((الأوسط)) (٦/ ١٣٧) قال الهيثمي في ((المجمع)) (١٠/ ١٠٤) أسانيده حسنة وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (١/ ٣٢) إسناده حسن، وأورده الألباني في ((الصحيحة)) (٢٩١٦)
(٥) تكلم عليه الألباني في ((الضعيفة)) تحت الحديث رقم (٢٥٤٤)
(٦) ((تفسير ابن أبي حاتم)) (٣/ ١٠٤٨).
(٧) ((تفسير ابن جرير)) (٤/ ٤٣٨ ح ١٢٠٨١).
(٨) ((تقريب التهذيب)) (٤٠١).
(٩) ((سير أعلام النبلاء)) (٥/ ٢٠٦).
(١٠) رواه البخاري (١٠٠٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>