للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً: الجواب على الدليل الثاني: وهو استدلالهم بعموم الأحاديث الدالة على فضل الاجتماع على ذكر الله ومجالس الذكر.

فالجواب على هذا الدليل من وجهين:

الوجه الأول: أن ذكر الله ليس مقصوراً على التسبيحات والدعوات، وما يقال باللسان، بل إن ذكر الله سبحانه وتعالى يشمل كل قول وفعل يرضي الله تعالى ومنه مجالس العلم والفقه، والقرآن، ولذلك فإن ما ورد في فضل مجالس الذكر ليس المقصود منها فقط ما ذكروه، بل وغير ذلك. ويدل على ذلك ما ورد في كتاب (الحلية) لأبي نعيم الأصبهاني، بسنده إلى أبي هزان قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: من جلس مجلس ذكر كفر الله عنه بذلك المجلس عشرة مجالس من مجالس الباطل. قال أبو هزان: قلت لعطاء: ما مجلس الذكر؟ قال: مجلس الحلال والحرام، وكيف تصلي، وكيف تصوم، وكيف تنكح، وكيف تطلق وتبيع وتشتري (١) وقال الحافظ ابن حجر: والمراد بالذكر: الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها، مثل: الباقيات الصالحات وهي: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ونحو ذلك. والدعاء بخيري الدنيا والآخرة. ويطلق ذكر الله أيضاً، ويراد به: المواظبة على العمل بما أوجبه، أو ندب إليه: كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة (٢).قال العلامة المباركفوري (٣): المراد بالذكر - هنا -: الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها، والإكثار منها مثل الباقيات الصالحات، وهي: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وما يلتحق بها من الحوقلة، والبسملة، والحسبلة، والاستغفار، ونحو ذلك، والدعاء بخيري الدنيا والآخرة. ويُطلق ذكر الله أيضاً ويُراد به المواظبة على العمل بما أوجبه، أو ندب إليه، كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدارسة العلم، والتنفل بالصلاة.

فإن قال قائل من هؤلاء: إن الذكر بالألفاظ الواردة نوع من أنواع الذكر اللساني يشمله أحاديث فضل مجالس الذكر فدل ذلك على استحباب الاجتماع لأجل هذا الذكر اللساني.

فالرد عليه بالوجه الثاني: أن هذه الأحاديث لم تدل على الذكر الجماعي واستحبابه، وإنما هي دالة على استحباب الاجتماع على ذكر الله. وهناك فرق كبير بين هذا وذاك.

فالاجتماع على ذكر الله مستحب مندوب إليه بمقتضى الأحاديث الواردة في فضله، ولكن على الوجه المشروع الذي فهمه الصحابة وعملوا به، فقد كانوا يجتمعون للذكر كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم يقرأ، والناس يستمعون. وكان عمر يقول لأبي موسى: ذكرنا ربنا. فيقرأ وهم يستمعون لقراءته. وقال الطرطوشي: هذه الآثار (٤) تقتضي جواز الاجتماع لقراءة القرآن الكريم على معنى الدرس له والتعلم والمذاكرة وذلك يكون بأن يقرأ المتعلم على المعلم، أو يقرأ المعلم على المتعلم، أو يتساويا في العلم، فيقرأ أحدهما على الآخر على وجه المذاكرة والمدارسة هكذا يكون التعليم والتعلم، دون القراءة معاً. وجملة الأمر أن هذه الآثار عامة في قراءة الجماعة معاً على مذهب الإدارة، وفي قراءة الجماعة على المقرئ ... ومعلوم من لسان العرب أنهم لو رأوا جماعة قد اجتمعوا لقراءة القرآن على أستاذهم. ورجل واحد يقرأ القرآن، لجاز أن يقولوا: هؤلاء جماعة يدرسون العلم، ويقرؤون العلم والحديث. وإن كان القارئ واحد (٥).

ثالثاً: وأما الآثار التي استدلوا بها عن عمر رضي الله عنه، وميمونة رضي الله عنها.

فيجاب عنها من ثلاثة وجوه:


(١) ((الحلية)) (٣/ ٣١٣).
(٢) ((فتح الباري)) (١١/ ٢٥٠).
(٣) ((تحفة الأحوذي)) (٩/ ٣١٤).
(٤) أي التي تدل على فضل مجالس الذكر والاجتماع عليه
(٥) ((الحوادث والبدع)) (ص ١٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>