للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الإمام النووي في المجموع (١): اتفق الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى على أنه يُستحب ذكر الله تعالى بعد السلام، ويُستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد والرجل والمرأة والمسافر وغيره ... وأما ما اعتاده الناس أو كثير منهم من تخصيص دعاء الإمام بصلاتي الصبح والعصر، فلا أصل له. انتهي. قلت: ولقائل أن يقول: نفيه للتخصيص في هذين الوقتين يدل على جواز الدعاء في جميع الصلوات، ويبطل هذا الزعم قول النووي نفسه في (التحقيق) (٢): يندب الذكر والدعاء عقيب كل صلاة ويسر به، فإذا كان إماماً يريد أن يعلمهم جهر، فإذا تعلموا أسر. انتهي.٤ - وأما ما يتعلق بمذهب الحنابلة، فقد قال ابن قدامة في (المغني) (٣): ويُستحب ذكر الله تعالى والدعاء عقيب صلاته، ويُستحب من ذلك ما ورد به الأثر، وذكر جملة من الأحاديث، فيها شيء من الأذكار التي كان صلى الله عليه وسلم يقولها في دبر كل صلاة مكتوبة. وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (٤) عن الدعاء بعد الصلاة، فذكر بعض ما نقل عنه صلى الله عليه وسلم من الأذكار بعد المكتوبة، ثم قال: وأما دعاء الإمام والمأمومين جميعاً عقيب الصلاة فلم ينقل هذا أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم. انتهي.

قلت: وفيما يختص بدعاء الإنسان منفرداً من غير جماعة فإنه إذا كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً فليس ثم مانع يمنعه من الدعاء إذا بدأ بالأذكار المسنونة والتسابيح المشروعة في أعقاب الصلوات، وقد دل على ذلك كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح رضي الله عنهم. أما الدليل من الكتاب العزيز، فقول الله تعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإلى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح: ٧ - ٨].وقد ورد في الكلام على هاتين الآيتين، في إحدى الروايتين: فإذا فرغت من صلاتك، فانصب إلى ربك في الدعاء وسله حاجتك. نقل هذا ابن جرير الطبري (٥) في تفسيره وابن أبي حاتم (٦)، والسمعاني (٧)، والقرطبي (٨)، وابن الجوزي (٩)، وابن كثير (١٠)، والشوكاني (١١)، والسعدي، وغيرهم من المفسرين. قال السعدي رحمه الله في تفسير هاتين الآيتين: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ أي إذا تفرغت من أشغالك، ولم يبق في قلبك ما يعوقه فاجتهد في العبادة والدعاء. وَإلى رَبِّكَ وحده فَارْغَبْ أي أعظم الرغبة في إجابة دعائك، وقبول دعواتك ولا تكن ممن إذا فرغوا لعبوا وأعرضوا عن ربهم وعن ذكره، فتكون من الخاسرين. وقد قيل: إن معنى هذا: فإذا فرغت من الصلاة، وأكملتها فانصب في الدعاء. وَإلى رَبِّكَ فَارْغَبْ في سؤال مطالبك. واستدل من قال هذا القول على مشروعية الدعاء والذكر عقب الصلوات المكتوبات. والله أعلم (١٢). انتهي. وأما من السنة، فعن أبي أمامة قال: قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال ((جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات)) (١٣).


(١) ((المجموع)) للنووي (٣/ ٤٦٥ - ٤٦٩).
(٢) كتاب ((التحقيق)) للنووي (٢١٩). ((كمال في كتاب مسك الختام)) (١٣٧ - ١٤١).
(٣) ((المغني)) لابن قدامة (٢/ ٢٥١).
(٤) ((مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية)) (٢٢/ ٥١٥).
(٥) ((تفسير الطبري)) (١٢/ ٦٢٨ - ٦٢٩).
(٦) ((تفسير ابن أبي حاتم)) (١٠/ ٣٤٤٦).
(٧) ((تفسير السمعاني)) (٦/ ٢٥٢)، ط دار الوطن.
(٨) ((تفسير القرطبي)) (٢٠/ ٧٤)، ط دار الكتب العلمية.
(٩) ((تفسير ابن الجوزي)) (٩/ ١٦٦)، ط المكتب الإسلامي.
(١٠) ((تفسير ابن كثير)) (٤/ ٤٩٧)، ط دار الكتب العلمية.
(١١) ((تفسير الشوكاني)) (٥/ ٤٦٢)، ط دار الوفاء.
(١٢) ((تيسير الكريم الرحمن)) (٨٥٩)، ط مؤسسة الرسالة.
(١٣) رواه الترمذي (٣٤٩٩) والنسائي في ((الكبرى)) (٦/ ٣٢) قال الترمذي حسن، وكذلك حسنه الألباني

<<  <  ج: ص:  >  >>