للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جاءت بذلك فتاوى العلماء قديماً وحديثاً:

فمن القديم ما ذكره ابن مفلح قال: قال مهنا: سألت أبا عبد الله عن الرجل يجلس إلى القوم، فيدعو هذا، ويدعو هذا ويقولون له: ادع أنت. فقال: لا أدري ما هذا؟! أي: أنه استنكره.

وقال الفضل بن مهران: سألت يحيى بن معين وأحمد بن حنبل قلت: إن عندنا قوماً يجتمعون، فيدعون، ويقرأون القرآن، ويذكرون الله تعالى، فما ترى فيهم؟ قال: فأما يحيى بن معين فقال: يقرأ في مصحف، ويدعو بعد الصلاة، ويذكر الله في نفسه، قلت: فأخ لي يفعل ذلك. قال: أنهه، قلت: لا يقبل، قال: عظه. قلت: لا يقبل. أهجره؟ قال: نعم. ثم أتيت أحمد فحكيت له نحو هذا الكلام فقال لي أحمد أيضاً: يقرأ في المصحف ويذكر الله في نفسه ويطلب حديث رسول الله. قلت: فأنهاه؟ قال: نعم. قلت: فإن لم يقبل؟ قال: بلى إن شاء الله، فإن هذا محدث، الاجتماع والذي تصف (١).

وقال الإمام الشاطبي في بيان البدع الإضافية ما نصه: كالجهر والاجتماع في الذكر المشهور بين متصوفة الزمان. فإن بينه وبين الذكر المشروع بوناً بعيداً إذ هما كالمتضادين عادة.

وقال ابن الحاج: ينبغي أن ينهي الذاكرون جماعة في المسجد قبل الصلاة، أو بعدها، أو في غيرهما من الأوقات. لأنه مما يشوش بها.

وقال الزركشي: السنة في سائر الأذكار الإسرار. إلا التلبية

جاء في (الدرر السنية): فأما دعاء الإمام والمأمومين، ورفع أيديهم جميعاً بعد الصلاة، فلم نر للفقهاء فيه كلاماً موثوقاً به. قال الشيخ تقي الدين: ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم كان هو والمأمومون يدعون بعد السلام. بل يذكرون الله كما جاء في الأحاديث.

وجاء في فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا ما يلي: ختام الصلاة جهاراً في المساجد بالاجتماع، ورفع الصوت، من البدع التي أحدثها الناس، فإذا التزموا فيها من الأذكار ما ورد في السنة، كانت من البدع الإضافية

وقال في موضع آخر: إنه ليس من السنة أن يجلس الناس بعد الصلاة بقراءة شيء من الأذكار، والأدعية المأثورة، ولا غير المأثورة برفع الصوت وهيئة الاجتماع .. وأن الاجتماع في ذلك والاشتراك فيه ورفع الصوت بدعة.

وجاء في الفتاوى الإسلامية للشيخ ابن عثيمين: الدعاء الجماعي بعد سلام الإمام بصوت واحد لا نعلم له أصلاً على مشروعيته.

وقال الشيخ صالح الفوزان: البدع التي أحدثت في مجال العبادات في هذا الزمان كثيرة، لأن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع شيء منها إلا بدليل. وما لم يدل عليه دليل فهو بدعة ... ثم ذكر بعض البدع. وقال: ومنها الذكر الجماعي بعد الصلاة لأن المشروع أن كل شخص يقول الذكر الوارد منفرداً.

فأصل الدعاء عقب الصلوات بهيئة الاجتماع بدعة، وإنما يباح منه ما كان لعارض، قال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: لو فرضنا أن الدعاء بهيئة الاجتماع وقع من أئمة المساجد في بعض الأوقات: للأمر يحدث عن قحط أو خوف من ملم لكان جائزاً .. وإذا لم يقع ذلك على وجه يخاف منه مشروعية الانضمام، ولا كونه سنة تقام في الجماعات، ويعلن به في المساجد كما دعا رسول الله دعاء الاستسقاء بهيئة الاجتماع وهو يخطب. وإنما كان هذا الدعاء بعد الصلوات بهيئة الاجتماع بدعة، مع ثبوت مشروعية الدعاء مطلقاً، وورود بعض الأحاديث بمشروعية الدعاء بعد الصلوات خاصة، وذلك لما قارنه من هذه الهيئة الجماعية، ثم الالتزام بها في كل الصلوات حتى تصير شعيرة من شعائر الصلاة. فإن وقع أحياناً فيجوز إذا كان من غير تعمد مسبق، فقد روي عن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه أجاز الدعاء للإخوان إذا اجتمعوا بدون تعمد مسبق، وبدون الإكثار من ذلك حتى لا يصير عادة تتكرر (٢)، وقال شيخ الإسلام: الاجتماع على القراءة والذكر والدعاء حسن مستحب إذا لم يتخذ ذلك عادة راتبة كالاجتماعات المشروعة ولا اقترن به بدعة منكرة وقال: أما إذا كان دائماً بعد كل صلاة فهو بدعة، لأنه لم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف الصالح.

المصدر:الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع لمحمد بن عبد الرحمن الخميس - ص ٤٣ - ٥١


(١) ((الآداب الشرعية)) (٢/ ٧٥).
(٢) ((الاقتضاء)) (٣٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>