للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر السكندري أنواعاً من الكرامات التي تحصل للولي فقال:"ثم إن هذه الكرامات قد تكون طياً للأرض ومشياً على الماء وطيراناً في الهواء واطلاعاً على كوائن كانت وكوائن بعد لم تكن من غير طريق العادة وتكثير الطعام أو الشراب أو إتياناً بثمرة في غير إبانها، وإنباعاً ماء من غير حفر أو تسخير حيوانات عادية، أو إجابة دعوة بإتيان مطر في غير وقته، أو صبر عن الغذاء مدة تخرج عن طور العادة، أو إثمار لشجرة يابسة ما ليس عادتها أن تكون مثمرة له" (١).ونقل عن المرسي قوله: "وقال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه: جلت في ملكوت الله فرأيت أبا مدين متعلقاً بساق العرش وهو رجل أشقر أزرق العينين .. الخ" (٢).وذكر السكندري عن الصوفي القرشي أنه جاءه الخضر بزيتونه من نجد وكان به مرض الجذام فقال له: كل هذه الزيتونة ففيها شفاؤك، فقال له: اذهب أنت وزيتونتك لا حاجة لي بها (٣). ثم شرع السكندري كغيره من علماء الصوفية في ذكر فضائل الخضر وأفعاله مع الأولياء الصوفية وأورد قصصاً في ذلك كثيرة ورد على الذين ينكرون وجوده بدليل أن إبليس موجود الآن فلا ينبغي جحد وجود الخضر وهذا الدليل من أبعد ما يكون عن الصواب، لأن وجود إبليس بنص القرآن والسنة، وجود الخضر إلى الآن لا دليل عليه لا عقلاً ولا نقلاً. وكرامات كثيرة يذكرها السكندري لمشائخه لا يصدقها عاقل نترك ذكرها هنا، ومن أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى كتاب السكندري (لطائف المنن)؛ حيث ملأه بكرامات وبشطحات أولئك المشايخ بما لا يجرؤ أي مسلم يخاف الله أن يتطاول على الله وعلى رسله ولو بأقل من تلك الشطحات الخرقاء من دعوى علم الغيب بكل شيء في هذا الكون مهما كان حقيراً في ليل أو نهار، ومن دعوى الاتحاد بالله ومجالسته، ومن دعوى مصاحبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في كل وقت، ومن دعوى مشاهدة الجنة دائماً، وأشياء أخرى حين يقرأها المسلم يقول: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا. ومثل ما خاض فيه السكندري خاض فيه أيضاً الشعراني، ولا أرى أن المقام يسمح بذكر نماذج من تلك الكرامات الخيالية التي زعمها الشعراني لأقطاب التصوف الذين ترجم لكل واحد منهم وجاء في تراجمهم بما لا يقوله إنسان سليم الفترة سليم العقل عنده أدنى معرفة بالدين الإسلامي. إنها جرائم حشدها الشعراني في طبقاته على أنها كرامات لأولئك الذين زعم كذباً أنهم أولياء أقل ما فيها الاستهانة بجرائم اللواط والزنا والشذوذ الجنسي - كما يسمى في عصرنا - ومن غريب أمره أنه يذكر الشخص منهم ثم يأتي في ترجمته وكراماته بما ينكس الرأس حياء ثم يختمها بقوله عنه - رضي الله عنه -.ولو أن هؤلاء الصوفية من أمثال ابن عربي والمنوفي والسهروردي والشعراني والسكندري وعلي حرازم والفوتي ذكروا كرامات قليلة وفيها نوع من التعقل لكنت نقلتها هنا ولكن لا حيلة في ذلك وكتبهم كلها مملوءة بكرامات كل واحدة تلعن أختها (٤)، ومن هنا أعرضت عن ذكر ذلك وكنت مثل خراش الذي قال فيه الشاعر: تكاثرت الضباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد على أن بعض تلك الكرامات لا تستحق أن تذكر لأحد؛ إذ فيها الاستهانة بالأخلاق والآداب العامة، وفيها التشجيع على اللهو والفسق.

المصدر:فرق معاصرة لغالب عواجي ٣/ ١٠١٥


(١) ((لطائف المنن)) (ص١٢٣).
(٢) (ص١٤٦).
(٣) (ص١٥٣).
(٤) انظر: ((الفتوحات المكية)) أربع أجزاء، ((جمهرة الأولياء)) جزئين، ((عوارف المعارف)) مجلد، ((طبقات الشعراني)) جزئين، ((لطائف المنن)) مجلد، ((جواهر المعاني)) جزئين، ((رماح حزب الرحيم)) جزئين، ((هامش جواهر المعاني))، وغيرها من كتب الصوفية الذين غلوا في دينهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>