ولعلك أيها القارئ بعد هذه الجولة الخرافية الصوفية تريد أن تعرف أين يسكن القطب ويجيبك ابن عربي قائلاً:
"فإن قيل هل يكون محل إقامة القطب بمكة دائماً كما هو مشهور. (فالجواب) هو بجسمه حيث شاء الله لا يتقيد بالمكث في مكان بخصوصه ومن شأنه الخفاء فتارة يكون حداداً وتارة تاجراً وتارة يبيع الفول، ونحو ذلك والله أعلم"(اليواقيت والجواهر ج٢ ص٨١) أ. هـ.
ولعلك الآن أيها القارئ تريد أن تعرف كيفية تولي القطب منصبه الباطني هذا وهل تكون له مبايعة كما يبايع الأمراء والخلفاء ..
وقد تفضل ابن عربي أيضاً فأجاب عن هذا التساؤل بقوله:
"فإن قلت: فهل يحتاج القطب في توليته إلى مبايعة في دولة الباطن كما هي الخلافة في الظاهر؟
(فالجواب) نعم كما قاله الشيخ في الباب السادس والثلاثين وثلاثمائة وعبارته:
(اعلم أن الحق تعالى لا يولي قط عبداً مرتبة القطابة إلا وينصب له سرير في حضرة المثال يقعده عليه ينبي صورة ذلك المكان عن صورة المكانة كما ينبي صورة الاستواء على العرش عن صورة إحاطته تعالى علماً بكل شيء ولله المثل الأعلى فإذا نصب له ذلك السرير فلا بد أن يخلع عليه جميع الأسماء التي يطلبها العالم وتطلبه فيظهر بها حللاً وزينة متوجاً مسوراً من ملجا لتعمه الزينة علواً وسفلاً ووسطاً وظاهراً وباطناً فإذا قعد عليه وقعد بصورة الخلافة وأمر الله العالم ببيعته على السمع والطاعة في المنشط والمكره دخل في تلك البيعة كل مأمور من أدنى وأعلى إلا العالون المهيمنون في جلال الله عز وجل العابدون لله تعالى بالذات لا بأمر إلهي ظاهر على لسان رسول. واعلم أن أول من يدخل عليه الملأ الأعلى على مراتبهم الأول فيأخذون يده على السمع والطاعة ولا يتقيدون بمنشط ولا مكره لأنهم لا يعرفون هاتين الصفتين فيهم إذ لا يعرف شيء إلا بضده فهم في منشط لا يعرفون لها طعماً لعدم ذوقهم للمكره وما منهم روح يدخل عليه للمبايعة إلا يسأله عن مسألة من العلم الإلهي فيقول له يا هذا أنت القائل كذا وكذا فيقول له نعم فيقول له في هذه المسألة وجهان يتعلقان بالعلم بالله تعالى أحدهما أعلى من الذي كان عند ذلك الشخص فيستفيد منه كل من بايعه علماً ليس عنده ثم يخرج. قال الشيخ: وقد ذكرنا جميع سؤالات القطابة في جزء مستقل ما سبقنا أحد إليه وليست هذه المسائل معينة يتحرر السؤال بها لكل قطب وإنما يخطر الله تعالى ذلك لمن يسأل القطب حال السؤال بعد أن جرى ذلك على خاطره فيما مضى من الزمان.
قال الشيخ وأول من يبايعه العقل الأول ثم النفس ثم المقدمون من عمار السماوات والأرض من الملائكة المسخرة ثم الأرواح المدبرة للهياكل التي فارقت أجسامها بالموت ثم الجن ثم المولدات ثم سائر ما سبح الله تعالى من مكان ومتمكن ومحل حال فيه إلا العالون من الملائكة كما مر، وكذلك الأفراد من البشر لا يدخلون تحت دائرة القطب وماله فيهم تصرف إذ هم كمل مثله مؤهلون لما ناله هذا الشخص من القطبية لكن لما كان الأمر يقتضي أن لا يكون في الزمان إلا واحد تقوم بهذا الأمر تعين ذلك الواحد لكن لا بأولية وإنما هو يسبق العلم فيه بأن يكون هو الوالى وفي الأفراد من يكون أكبر منه في العلم بالله تعالى وحده" انتهي بلفظه (اليواقيت والجواهر ج٢ ص٧٩،٨٠).