للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنا أقول: إن هذا قول قال به أكثر أرباب أهل المذاهب، أما الأشعرية: فإنهم يدعون الفرار من هذا القول إلا أنه لازم عليهم من وجوه .... " (١). ولما جاء إلى صفة الكلام، بين أنه ليس هناك فرق معقول بين الطلب والإرادة – وهذا رد على مسألة الكلام النفسي – كما سبق – ثم بين أن الذين زعموا أن هذا الكلام – النفسي – قديم – هو قول بعيد، وذكر أدلة كون هذا القول بعيدا – وهي أدلة إلزامية قوية – ثم ذكر أدلة من قال بقدمه ورد عليها (٢).

هذا هو الرازي الذي يعتبرونه أعظم أئمتهم ومحققيهم يقول بما يدل على بطلان مذهب الأشاعرة، وصحة مذهب أهل السنة، في مسألة من أهم المسائل وأعظمها، وبها تميز المذهب الأشعري عن غيره. وإذا كان الرازي قد يتناقض في هذا الباب – فتارة يوافق الأشاعرة وتارة يرد عليهم – فإن غير الرازي كأبي حامد الإسفراييني، وأبي محمد الجويني – والد إمام الحرمين – وغيرهما كانوا يخالفون الأشاعرة ويقولون إن مذهب الشافعي والإمام أحمد وسائر علماء الأمصار مخالف لما عليه هؤلاء الأشاعرة في كلام الله (٣).

الرد على الأشاعرة في قولهم: إن كلام الله معنى واحد:

وقولهم: هو الأمر بكل مأمور والخبر عن كل مخبر، إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة، وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلا، وقولهم إن الأمر والنهي صفات للكلام، لا أنواع له، ولذلك فلا فرق بين القرآن والتوراة، ولا بين آية وآية أخرى دلت على معنى مختلف.

وهذا من أعجب ما في مذهب الأشاعرة وأشده غرابة، حيث إنه مخالف لبدائه العقول، ولواقع الأمر أيضا، ولا شك أن أعلام الأشاعرة – وفيهم الأئمة والقضاة والفقهاء – لم يكونوا ليقبلوا الإقرار بمثل هذا لولا أن هناك أصولا عقلية سلموها تسلطت على رؤوسهم ورقابهم لم يستطيعوا منها فكاكا ولا لها دفعا. فأصبحوا يسلمون بمثل هذه الأقوال المخالفة للعقل والنقل والفطر، ويبحثون لها عن تعليلات وتبريرات وتخريجات لا تغني شيئا. ولذلك اعترف بعض أعلامهم بما في المذهب الأشعري من إشكالات، حتى قال العز بن عبدالسلام لما سئل في مسألة القرآن: "كيف يعقل شيء واحد هو أمر ونهي وخبر واستخبار؟ فقال أبو محمد: ما هذا بأول إشكال ورد على مذهب الأشعري" (٤). وسترد أمثلة أخرى إن شاء الله تعالى.

ومناقشة قول الأشاعرة – في زعمهم أن كلام الله معنى واحد – واضحة جدا، ويمكن إجمال ردود شيخ الإسلام عليهم في ذلك بما يلي:١ - أن هذا القول انفردوا به عن سائر الفرق، كما ذكره الرازي (٥)، سواء قالوا – كما هو قول جمهورهم – إنه معنى واحد، أو قالوا إنه خمسة معان، كما هو قول بعضهم.


(١) ((المطالب العالية للرازي)) (٢/ ١٠٦).
(٢) انظر: ((المطالب العالية للرازي)) (٣/ ٢٠٤ - ٢٠٧).
(٣) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٥٥٧ - ٥٥٨).
(٤) انظر: ((التسعينية)) (ص: ٢٦١).
(٥) انظر: ((التسعينية)) (ص: ١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>