للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالذين قالوا هو معنى واحد قالوا: ذلك المعنى هو معنى كل أمرٍ أمر الله به، سواء كان أمر لتكوين، أو أمر تشريع، وسواء أمرا ورد في القرآن أو ورد في التوراة، وكذلك هو معنى كل نهي نهى الله عنه، وهو معنى كل خبر أخبر الله به. والذين قالوا إنه خمسة معان يقولون الأمر الواحد هو الأمر بالصلاة والزكاة، والحج، والسبت – الذي لليهود – وهو الأمر بالناسخ والمنسوخ، وبالأقوال وبالأفعال، وبالعربي والعبراني، كل ذلك أمر واحد، ومثله النهي ومثله الخبر، حيث يقولون: إن ما أخبر الله به في آية الكرسي وسورة الإخلاص، وقصص الأنبياء والكفار، وصفة الجنة والنار، كل ذلك خبر واحد (١).يقول شيخ الإسلام معلقا على هذا: "ومن المعلوم أن مجرد تصور هذا القول يوجب العلم الضروري بفساده، كما اتفق على ذلك سائر العقلاء، فإن أظهر المعارف أن الأمر ليس هو الخبر، وأن الأمر بالسبت هو الأمر بالحج، وأن الخبر عن الله ليس هو الخبر عن الشيطان الرجيم" (٢)، ولا شك أيضا أن معنى آية الكرسي ليس هو معنى آية الدين، كما أن معاني قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: ١] ليست هي معاني تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد: ١] (٣).وكذلك أيضا فإن "المعاني التي أخبر الله بها في القرآن في قصة بدر وأحد والخندق، ونحو ذلك لم ينزلها الله على لسان موسى بن عمران، كما لم ينزل على محمد تحريم السبت، ولا الأمر بقتال عباد العجل فكيف يكون كلام الله معنى واحدا" (٤). ومن المعلوم أن التوراة إذا عربت لم تكن هي القرآن، كما أن آية الكرسي ليست معنى آية الدين (٥). وهذا واضح جدا، ويلاحظ أن الأشاعرة يلتزمون هذه اللوازم الفاسدة فيقولون: إن كلام الله معنى واحد، فلا يفرقون بين آية الدين وآية الكرسي، ولا بين القرآن والتوراة، بل كل ذلك معنى واحد لا يتبعض ولا يتجزأ، ولا يتكلم الله بشيء منه دون شيء إلا على معنى خلق إدراك للخلق فقط – كما سبق -.بل إن شيخ الإسلام يرى أنه يلزم على قولهم أن تكون الحقائق الموجودة كالملائكة والجن، والجنة والنار – شيئا واحدا، لأن معاني الكلام تتبع الحقائق الخارجة، وهذا لازم لا محيد لهم عنه (٦).٢ - يقال للأشاعرة: موسى لما كلمه الله، فأهم كلامه كله أو بعضه؟ إن قلتم: كله، فقد صار موسى يعلم علم الله، وهذا من أعظم الباطل، وإن قلتم بعضه: فقد تبعض كلام الله وأنتم تقولون: إنه لا يتبعض. وفي هذا إبطال لقولكم (٧). وأيضا فإن الله فضل موسى بالتكليم على غيره ممن أوحى إليهم، كما فرق تعالى بين التكليم والوحي، وهذا يدل على أن الكلام ليس معنى واحدا، لأنه – حينئذ – لا يكون هناك فرق بين التكليم الذي خص به موسى، والوحي العام الذي يكون لغيره. وهذا بين (٨).وكذلك قولهم إن القرآن عبارة عن كلام الله، فإن كان عبارة عن كلام الله كله فهو باطل، وإن كان عبارة عن بعضه فهو مبطل لقولكم (٩).


(١) انظر: ((التسعينية)) (ص: ١٧٥).
(٢) ((التسعينية)) (ص: ١٧٥، ١٧٧).
(٣) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ١٢٢، ٢٦٧)، و ((منهاج السنة)) (٣/ ١٠٤) – ط بولاق، و ((جواب أهل العلم والإيمان – مجموع الفتاوى)) (١٧/ ١٧).
(٤) ((منهاج السنة)) (٣/ ١٠٤) – ط بولاق.
(٥) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٥٥٨)، و ((الدرء)) (١/ ٢٦٧، ١١٢ - ١١٣).
(٦) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٥٥٨)، و ((الدرء)) (١/ ٢٦٧، ١١٢ - ١١٣).
(٧) انظر: ((التسعينية)) (ص: ١٧٧).
(٨) انظر: ((منهاج السنة)) (٣/ ١٠٥) – ط بولاق، و ((مجموع الفتاوى)) (٩/ ٢٨٣، ١٢/ ١٣٠).
(٩) انظر: ((منهاج السنة)) (٣/ ١٠٥) – ط بولاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>