للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - إلزامهم أن يقولوا في الصفات ما قالوه في الكلام، وبالعكس، وذلك أنه إذا جاز أن يجعلوا الحقائق المتنوعة – كآية الدين، وآية الكرسي، وقصة موسى، وقصة نوح، والأمر بالصلاة، والأمر بالسبت، والنهي عن الزنا وعن الربا، والقرآن والتوراة، والإنجيل – شيئا واحدا، فيلزمهم أن يجوزوا أن يكون العلم والقدرة والكلام والسمع والبصر والحياة والإرادة، صفة واحدة، أو أن يقولوا في الكلام ما يقولونه في الصفات من أن العلم غير القدرة والإرادة غير الحياة، وإن كانت صفات قائمة بالله تعالى. وقد أسهب شيخ الإسلام في شرح هذا الإلزام وبين أنه لا محيد للأشاعرة عنه، وأن أئمتهم اعترفوا به (١).وممن اعترف بذلك الآمدي، حيث قال بعد أن ذكر هذا الاعتراف – وهو الإلزام بالصفات – وذكر جواب أصحابه الأشاعرة عنه – قال معلقا على جواب شيوخه: "وفيه نظر" (٢)، ثم قال: "والحق أن ما أوردوه من الإشكال على القول باتحاد الكلام وعود الاختلاف إلى التعلقات والمتعلقات مشكل، وعسى أن يكون عند غيري حله، ولعسر جوابه فر بعض أصحابنا إلى القول بأن كلام الله القائم بذاته خمس صفات مختلفة، وهي الأمر والنهي والخبر والاستخبار والنداء" (٣).وقد علق شيخ الإسلام على كلام الآمدي بأن القول بأن الكلام خمس صفات أو سبع أو تسع أو غير ذلك من العدد لا يزيل ما تقدم من الأمور الموجبة لتعدد الكلام (٤).ولشيخ الإسلام مناقشات متنوعة لهذا الإلزام وبيان تناقضهم من وجوه عديدة (٥). وقياسهم لوحدة الكلام بوحدة المتكلم مردود أيضا من وجوه عديدة (٦).٤ - وهناك إلزام آخر لهم، وهو أنه يقال لهم ما يقولون هم لمن قال إن القرآن حروف وأصوات قديمة أزلية، وإن الباء ليست قبل السين، وهكذا، وقد نقل شيخ الإسلام نصا مهما للباقلاني من كتابه – (النقض) – رد فيه على هؤلاء (٧)، ثم قال: "هذا بعينه وارد عليك فيما أثبته من المعاني، وهو المعنى القائم بالذات، فإن الذي نعلمه بالضرورة في الحروف نعلم نظيره بالضرورة في المعاني، فالمتكلم منا إذا تكلم ببسم الله الرحمن الرحيم، فهو بالضرورة ينطق بالاسم الأول لفظا ومعنى، قبل الثاني، فيقال في هذه المعاني نظير ما قاله في الحروف ... " (٨).ولشيخ الإسلام في (درء التعارض) مناقشة أخرى مماثلة، فإن من قال باجتماع المعاني يلزمه ما يلزم من قال باجتماع الحروف وعدم تعاقبها (٩).

٥ - أن النصوص قد وردت بما يدل على تعدد الكلام وبطلان قول من زعم أنه معنى واحد، ومنها:

أ- الآيات الواردة بأن الله كلمات، ومنها قوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ [الأنعام: ١١٥] وقوله: مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [لقمان: ٢٧] وقوله: يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ [الأنفال: ٧] وغيرها كثير جدا.


(١) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ١٢٢ - ١٢٣).
(٢) انظر: ((درء التعارض)) (٤/ ١١٨).
(٣) ((درء التعارض)) (٤/ ١١٩)، وهو في أبكار الأفكار ١/ ٩٥ - ب-٩٦ - أ.
(٤) انظر: ((درء التعارض)) (٤/ ١١٩) وما بعدها.
(٥) انظر: ((التسعينية)) (ص: ١٧٦ - ١٧٧ والوجه ٣٣)، و (ص: ١٧٩ الوجه ٣٨)، و (ص: ١٨٠ - ١٨١ الوجه ٤٣)، و (ص: ١٨٦ الوجه ٥٢)، من أوجه مناقشة الرازي. وانظر (مجموع الفتاوى)) (٩/ ٢٨٣)، و ((التسعينية)) أيضا (ص: ١٩١).
(٦) انظر: ((التسعينية)) (ص: ١٨١ - ١٨٧) (الأوجه ٤٤ - ٥٣) من أوجه الرد على الرازي.
(٧) انظر: ((التسعينية)) (ص: ١٨٨).
(٨) انظر: ((التسعينية)) (ص: ١٨٨).
(٩) انظر: ((درء التعارض)) (٤/ ١١١ – ١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>