للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها أن الضحكة في زيارة هود بتسبيحة: قلت: ولتصديق هذا الوعد من قبل العوام، تراهم يكثرون الضحك واللهو واستخدام المعازف كما سيأتي لأن كل ذلك يحسب لهم تسبيحاً وحسنات، ولهم عادة أنهم كلما مروا بقرية في طريقهم نبزوا أهلها بلقبهم الذي يغضبون منه، وبذلك يكثر الضحك، وانظر الصبان وكرامة سليمان. والعجيب أن الشاطري مع أنه لا شك خبر الحياة واطلع من خلال رحلاته وقراءاته على كثير من أحوال الناس، وأن مثل هذه الدعايات أصبحت ممجوجة عند الناس، إلا أنه – مع ذلك – يصر على تبريرها فيقول في جواب السؤال السابع: (ومعناه أن الكلمة الطيبة والابتسامة والضحكة عند لقاء الإخوان – وذلك لكثرته بينهم في الزيارة – من المعروف والصدقة التي يثاب عليها فاعلها، ودليله ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الكلمة الطيبة صدقة)) (١) (متفق عليه)، وعن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق)) (٢) ومعنى طليق: متهلل بالفرح والبشر والابتسام. وأقول: إن هذه الأمة لم تبل بشيء كابتلائها بمزيني الباطل، ومروجي البدعة والمدلسين على عقول عوام المسلمين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما أخشى على أمتي الأئمة المضلين)) (٣).

وهذا – والحمد لله – صان الله منه علماء أهل السنة وجعله شعاراَ لأهل البدعة وخصوصاً الباطنية، الذين اشتهروا بالتأويل الفاسد وليِّ أعناق الكلام لموافقة مبادئهم الخبيثة، ولا يفهم أحدٌ من كلامي أنني أرمي الشاطري بالباطنية، فأنا أبرأ إلى الله أن أقول ما ليس لي به علم!.

وإنما أعني أن الرجل سلك سلوكهم واتبع سبلهم في التأويل، فالضحك مذموم وليس بممدوح! قال صلى الله عليه وسلم: ((وإياك وكثرة الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب))، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر الابتسام ولكنه لم ير مستجمعاً ضاحكاً حتى تبدو لهواته إلا في مواطن معدودة جمعها بعضهم في رسالة خاصة، فكيف تكون الضحكة بتسبيحة؟ ثم كيف تفسر الضحكة بابتسامة، وقد فرق العلماء بين الضحك والابتسام؟ ولو فرضنا أن ذلك سواء ومعنى الضحكة أي الابتسامة، فلماذا لا تكون الضحكة في السوق بتسبيحة مع كثرة لقاء الناس في السوق وكثرة حاجتهم لملاطفة إخوانهم هناك؟ لماذا لا تكون الضحكة بتسبيحة في المسجد أو في أي مكان آخر؟ ألا أن تلك العبارة مقصودة لذاتها، وهي تهدف كما يهدف غيرها من البشارات والدعايات إلى تجميع الناس لتلك الزيارة ولو بالكذب على الله ورسوله والاستخفاف بعقول الناس!!! وكذلك عمر بن حفيظ فيما نقله عن عبيدون تحت عنوان: " الضحكة في هود بتسبيحة " قال: " ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه السيوطي في الجامع الصغير يقول فيه: ((مزاح المؤمن في السفر عبادة)) (٤) هذا معنى ضحكة تسبيحة، مزاح المؤمن في السفر عبادة لأنه ينشط ويخفف أعباء السفر وثقله، وليس هذا أن تضحك بالحرام .. إلى آخر كلامه الذي راح يتحدث فيه عن آداب المزاح.

وأقول: أولاً الحديث ليس في الجامع الصغير كما زعم، ولو صح أنه في الجامع الصغير فلا يلزم أنه صحيح كذلك، لأن الجامع الصغير فيه الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، والعرب تقول: - ثبِّت العرش ثم انقش - فصحح الحديث ثم احتج به.


(١) رواه البخاري (٢٩٨٩) ومسلم (١٠٠٩)
(٢) رواه مسلم (٢٦٢٦)
(٣) رواه أبو داود (٤٢٥٢) والترمذي (٢٢٢٩) وأحمد (٥/ ٢٧٨) (٢٢٤٤٧) وابن حبان (١٦/ ٢٢٠) (٧٢٣٨) قال الترمذي حسن صحيح وصححه الألباني
(٤) لم نجده

<<  <  ج: ص:  >  >>