للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إنه يقال لكم: إذا كان يمكن إرجاع كل تلك الصفات إلى صفة واحدة، فلم لا يجوز إرجاع ذلك كله إلى الذات من غير احتياج إلى الصفات؟ فيلزم الوقوع صراحة في مذهب المعتزلة. وعندما حكى الآمدي هذا الإشكال ذكر إجابات أصحابه فلم يرتضها وحاول أن يجيب ولكنه اعترف بعجزه، وأن ما أورد تشكيك وشبهات (١).ثم إن الشهرستاني كذلك أورد هذا الإشكال واعترف بعدم إمكانية الإجابة عليه عقلاً حتى قال عن هذا الإيراد: " .. ثم هل تشترك هذه الحقائق والخصائص في صفة واحدة أم في ذات واحدة؟ فتلك الطامة الكبرى على المتكلمين، حتى فر القاضي أبو بكر الباقلاني رضي الله عنه منها إلى السمع، وقد استعاذ بمعاذ والتجأ إلى ملاذ والله الموفق" (٢) ثم لم يعقب بشيء. (٣) ولو فر حقيقة إلى السمع لوجد فيه أن الكلام صفة ذات وفعل لله تعالى، وذلك أن الكلام صفة ذاتية لله تعالى، وهو يتكلم متى شاء وبما شاء، فقد كلم رسلاً له من الملائكة والناس كلاماً سمعوه منه بصوته في هذه الدنيا، وصرح بالنداء في مواضع من كتابه كقوله: وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ [مريم: ٥٢]، ولوجد كذلك نداء الله تعالى لأهل الجنة إذا دخلوها، ولوجد تكليم الله تعالى للناس في الآخرة عند الحساب، ولوجد أكثر مما ذكر (٤)، ولا ينكره من اعتمد الكتاب والسنة في اعتقاده.

والمتأخرون من الأشاعرة يذكرون في كتبهم عشرين صفة وهي: صفة نفسية، وسبع صفات معاني ومثلها معنوية, وخمس سلبية، فأما المعاني فقد تقدمت، ويعبرون عن ذلك كله بالواجب في حق الله. وأما المستحيل في حقه فأضداد ما مضى من العشرين صفة.

المصدر:منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله لخالد عبد اللطيف - ٢/ ٥١٧

نقد احتجاجهم بالأخطل النصراني

واحتج بعضهم بقول الأخطل النصراني لعنه الله إذ يقول:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلاً

فجوابنا على هذا الاحتجاج أن نقول: ملعون ملعون قائل هذا البيت وملعون ملعون من جعل قول هذا النصراني حجة في دين الله عز وجل وليس هذا من باب اللغة التي يحتج فيها بالعربي وإن كان كافراً وإنما هي قضية عقلية فالفعل والحس يكذبان هذا البيت وقضية شرعية.

فالله عز وجل أصدق من النصراني اللعين إذ يقول عز وجل يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [آل عمران: ١٦٧] فقد أخبر عز وجل بأن من الناس من يقول بلسانه ما ليس في فؤاده بخلاف قول الأخطل لعنه الله إن الكلام لفي الفؤاد واللسان دليل على الفؤاد.

فأما نحن فنصدق الله عز وجل ونكذب الأخطل ولعن الله من يجعل الأخطل حجة في دينه "الفصل ٣/ ٢١٩".

وقال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات: ٢] فهذا نص جلي وخطاب للمؤمنين بأن إيمانهم يبطل جملة وأعمالهم تحبط برفع أصواتهم فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم دون جحد كان منهم أصلا "الفصل ٣/ ٢٢٠".

ومن العجب قولهم: إن الصلاة والصيام والزكاة ليست إيماناً لكنها شرائع الإيمان "الفصل ٣/ ٢٢١".

وهذه تسمية لم يأذن الله تعالى بها ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة رضي الله عنهم بل الإسلام هو الإيمان وهو الشرائع، والشرائع هي الإيمان والإسلام وبالله التوفيق "الفصل ٣/ ٢٢٢".

المصدر:موقف ابن حزم من المذهب الأشعري لعبد الرحمن دمشقية - ص ٤٤


(١) انظر ((غاية المرام في علم الكلام)) (ص: ١١٧ - ١١٨).
(٢) ((نهاية الإقدام في علم الكلام)) (ص: ٢٣٦ - ٢٣٧).
(٣) انظر مثل هذا الإيراد عند شيخ الإسلام ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٥٢٢ - ٥٢٣ - ٩/ ٢٨٣).
(٤) انظر ما ساقه البخاري من أدلة في كتاب ((التوحيد)) من صحيحه (من الباب رقم: ٣٠ إلى الباب رقم: ٣٨)، وانظر كذلك ((التوحيد)) لابن خزيمة (١/ ٣٢٨ - ٤٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>