للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الثالث فلقد ذكرناه فيما مر، وهو كوفي أيضا، ولكنه من العجائب فهو وإن لم يكن متهما بالتشيع متهم بالزندقة والدهرية كما ذكر الحاج معصوم علي: كان يلبس لباسا طويلا من الصوف كفعل الرهبان، ويرى أنه كان يقول بالحلول والاتحاد مثل النصارى، غير أن النصارى أضافوا الحلول والاتحاد إلى عيسى عليه السلام وأضافهما هو إلى نفسه، وكان مترددا بين هاتين الدعوتين، ولم يعلم على أيهما استقر في النهاية – ونقل عن كتاب (أصول الديانات) أنه -: كان أمويا وجبريا في الظاهر وباطنيا ودهريا في الباطن، وكان مراده من وضع هذا المذهب أن يثير الاضطراب في الإسلام (١).ومن الغرائب أن شخصا آخر وهو ذو النون المصري الذي يقال عنه: (أنه أول من عرف التوحيد بالمعنى الصوفي (٢).وهو: (رأس هذه الطائفة، فالكل قد أخذ عنه وأنتسب إليه، وقد كان المشايخ قبله ولكنه أول من فسر الإرشادات الصوفية وتكلم في هذا الطريق (٣).وأنه: (هو أول من تكلم في بلده في ترتيب الأحوال ومقامات أهل الولاية (٤).كما أثر عنه بأنه (أول من وضع تعريفات للوجد والسماع (٥).

وعلى ذلك قال بحق، الكاتب الإنجليزي المشهور عن الصوفية: (هو أحق رجال الصوفية على الإطلاق بأن يطلق عليه اسم واضع التصوف، وقد اعترف له بالفضل في هذا الميدان كتّاب التراجم المؤرخون من المسلمين (٦).

فهذا هو الشخص الآخر من واضعي التصوف، وكان أيضا متهما بالزندقة والاشتغال بالسحر والطلسمات كما نقل الإمام الذهبي عن يوسف بن أحمد البغدادي أنه قال: (كان أهل ناحيته يسمونه بالزنديق (٧).

ونقل أيضا عن السلمي أنه قال:

(ذو النون أول من تكلم ببلدته في ترتيب الأحوال، ومقامات الأولياء، فأنكر عليه عبد الله بن عبد الحكم، وهجره علماء مصر. وشاع أنه أحدث علما لم يتكلم فيه السلف، وهجروه حتى رموه بالزندقة. فقال أخوه: أنهم يقولون: إنك زنديق. فقال: ومالي سوى الإطراق والصمت حيلة ووضعي كفى تحت خدي وتذكاري (٨).

وقال الإمام الذهبي: (وقل ما روى الحديث ولا كان يتقنه، وقال الدارقطني: روى عن مالك أحاديث فيها نظر (٩).والصوفي المشهور فريد الدين العطار يكتب في ترجمته أنه (كان من الملامتية لأنه أخفى تقواه بظهوره في الناس بالاستخفاف بأمور الشرع، ولذلك عده المصريون زنديقا، ولو أنهم اعترفوا له بالولاية بعد موته (١٠).

وقد ذكره ابن النديم من الملمين بعلم الكيمياء، والعارفين به والكاتبين فيه (١١).


(١) ((طرائق الحقائق)) للحاج معصوم على (١/ ١٠١).
(٢) انظر ((الرسالة القشيرية)) لأبي القاسم عبد الكريم القشيري بتحقيق عبد الحليم محمود ط دار الكتب الحديثة – القاهرة.
(٣) ((نفحات الأنس)) للجامي (ص٣٣) الطبعة الفارسية إيران.
(٤) ((النجوم الزاهرة)) للتغري البردي الأتابكي (٢/ ٣٢٠) ط وزارة الثقافة مصر.
(٥) ((الرسالة القشيرية)) تحقيق عبد الحليم محمود ط القاهرة.
(٦) في ((التصوف الإسلامي وتاريخه)) لينكسون ترجمة أبي العلاء العفيفي (ص٧) ط القاهرة.
(٧) انظر ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (١١/ ٥٣٣).
(٨) ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (ص٥٣٤).
(٩) ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (ص٥٣٣).
(١٠) ((تذكرة الأولياء)) لفريد الدين العطار (ص٦٩) ط باكستان، أيضا في ((التصوف الإسلامي وتاريخه)) لنيكلسون (ص٩).
(١١) انظر ((ابن النديم)) (ص٥٠٣، ٥٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>