للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإلزام الثالث: إذا كان الكلام نفسياً بلا حرف ولا صوت، وإنما هو شيء قديم، فما الفرق بينه وبين الإرادة والعلم؟ وليس لهم إلا أن يقولوا: إن تعلق الكلام تعلق دلالة، وتعلق العلم تعلق انكشاف، وتعلق الإرادة تعلق تخصيص بالمراد، وأيضاَ فإن دليل الكلام السمعي والإرادة والعلم عقلي، وإن المعنى لغة لكل واحدة يختلف عن الأخرى (١).

والجواب:

إنه إذا رجعتم إلى اللغة لزمكم أن تثبتوا الصفات كما دل على ذلك الوضع اللغوي، ففي اللغة لا يفهم متكلم إلا من قام به الكلام وتكلم به حقيقة، وإن كانت الحقائق تختلف بين الخالق والمخلوق.

والتفريق بين الصفات من حيث نوع الدليل فيه اضطراب واضح، إذ أنه لا يمكن إقامة الدليل على شيء معين إلا بعد تصور ذلك الشيء المعين، وأن الدليل يدل عليه. وهم لم يتصوروا شيئاً من ذلك على وجهه سوى أنهم قالوا: إن تعلق الكلام تعلق دلالة، ولم يلتزموا هذا في تعريف الكلام بأنه يكون بحرف وصوت فأين الدلالة؟ وسيأتي إلزام خطير في المقصد الرابع – الإلزام الثالث منه – إن شاء الله تعالى. الإلزام الرابع: إذا كان الكلام بلا حرف ولا صوت يقوم بالمتكلم، فما المراد بالخرس؟ (٢).أجابوا بأن الخرس آفة باطنية تمنع من الكلام النفسي (٣).وهذا الجواب في غاية السقوط، فهم لم يعرفوا الخرس كما هو في اللغة ويلزمهم على هذا أن يقولوا إن الأخرس متكلم، لأنه لاشك متصور للكلام إلا أنه قامت به آفة فلم يتكلم كلاماً مسموعاً – وفي هذا قلب واضح للحقائق اللغوية والشرعية (٤).وكل هذا التزموه لاختراعهم قولاً لم يسبقوا إليه قط لا من السلف ولا من المبتدعة قبلهم، وفي هذا يقول الإمام الحافظ أبو نصر السجزي: "لم يكن خلاف بين الخلق على اختلاف نحلهم من أول الزمان إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلاب والقلانسي والصالحي والأشعري وأقرانهم ... في أن الكلام لا يكون إلا حرفاً وصوتاً ذا تأليف واتساق وإن اختلفت به اللغات" (٥). وقد نقل الشهرستاني قولاً قريباً من هذا ولم يتعقبه بشيء (٦) – مما يدل أنه قد أقر بخرق الأشاعرة للإجماع.

المصدر:منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله لخالد عبد اللطيف - ٢/ ٥١٧


(١) انظر ((تحفة المريد)) (ص: ٨٦).
(٢) انظر ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٩٦).
(٣) انظر ((تحفة المريد)) (ص: ٧٢).
(٤) انظر ((الرد على من أنكر الحرف والصوت)) للسجزي (ص: ١٤٦) و ((مجموع فتاوى شيخ الإسلام)) ابن تيمية (٦/ ٢٩٦).
(٥) قاله في رسالته إلى أهل زبيد في ((الرد على من أنكر الحرف والصوت)) (ص:٨٠ - ٨١)، ونقله عنه شيخ الإسلام في ((درء تعارض العقل والنقل)) (٢/ ٨٣).
(٦) انظر ((نهاية الإقدام في علم الكلام)) للشهرستاني (ص:٣١٣ - ٣١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>