للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقلوا عن الشبلي أنه قال: (لو دبت نملة سوداء على صخرة صماء في ليلة ظلماء ولم أشعر بها أو لم أعلم بها لقلت أنه ممكور بي (١).

وهذا قول الله الجليّ الصريح الواضح البيّن:

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [الأنعام:٥٩]

ومع أمر الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول:

قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [الأحقاف:٩]

وقول الله عز وجل:

تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إليك مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:٤٩]

ولكن القوم عكس ذلك يقولون ما ألقى الشيطان إليهم من عقائد شيعية، ومعتقدات يهودية، وكان السحرة والكهان.

ولقد أدّب الله تبارك وتعالى نبيه ونجيه وصفيه سيد البشر قائد النبيين والمرسلين صلى الله عليه وسلم على جوابه لمن سأله عن أصحاب الكهف وعددهم، رجاء بأن ينزل عليه الوحي، ويخبر الله عز وجل عنهم، والوحي كان ينزل، وجبريل كان يأتي، واتصاله كان قائما بالسماء فقال مرسله ومنزل الوحي عليه: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا [الكهف:٢٣ - ٢٤].

وقبله أقرت الملائكة بقصور علمهم، واعترافهم بعدم إحاطتهم بملكوت السماء يوم قالوا: قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:٣٢] فأقرهم الله عز وجل على القصور وعدم المعرفة بالغيب بقوله:

قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:٣٣]

هذا وأما المنوفي الحسيني فينقل عن إبراهيم الدسوقي أنه كان يقول: (إن للأولياء الاطلاع على ما هو مكتوب على أوراق الشجر والماء والهواء وما في البر والبحر وما هو مكتوب على صفحة قبة خيمة السماء، وما في جباه الإنس والجان مما يقع لهم في الدنيا والآخرة (٢).

وأما الشاذلي فنقلوا عنه:

(من عبد الله باسمه الحيّ المحيي وأكثر منه، ولا حد لأكثره، شاهد حياة كل شيء ومحييه. ومن ذكر بهم جميعا صعدت روحه إلى الملأ الأعلى، وصعدت روحه إلى العرش، ليكتب عند الله من الكاملين الصديقين (٣).

وقال أفضل الدين: (لا يعطى أحد القطبية حتى يعرف جميع عوالم هذه العروش والكراسي والسموات والأرضين بأسمائهم وأنسابهم وأعمارهم وأعمالهم (٤).

ونقل الشعراني عن إبراهيم المتبولي أنه قال: (يرتسم الوجود كله في قلب الفقير (أي الصوفي) فيراه من قلبه. وإيضاح ذلك أن القلب إذا انجلى صار كالمرآة الكبيرة، فإذا قابلها بالعالم العلوي والسفلي ارتسم كله فيها (٥).


(١) مجموع مخطوط بالفاتكان عربي (رقم ١٢٤٢) ورقة (٥١ ب - ٥٢)، أيضا ((الإنسان الكامل)) للجيلي (١/ ١٢٢).
(٢) ((جمهرة الأولياء)) للمنوفي الحسيني (ص ٢٤٢).
(٣) ((أبو الحسن الشاذلي)) للدكتور عبد الحليم محمود (ص ٦١٤).
(٤) ((الأخلاق المتبولية)) للشعراني (١/ ٩٩).
(٥) ((الأخلاق المتبولية)) للشعراني (٣/ ١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>