للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول الدباغ وهو يذكر بعض ما يشاهده المفتوح عليه وهو الولي عنده، فيقول:

(أما في المقام الأول فإنه يكاشف فيه بأمور، منها: أفعال العباد في خلواتهم.

ومنها: مشاهدة الأرضين السبع والسماوات السبع، ومنها مشاهدة النار التي في الأرض الخامسة، وغير ذلك مما في الأرض والسماء ... ومن الأشياء التي يشاهدونها: اشتباك الأرضين بعضها ببعض، وكيف تخرج من أرض إلى أرض أخرى، وما تمتاز به أرض عن أرض أخرى، والمخلوقات التي في كل أرض.

ومنها: مشاهدة اشتباك الأفلاك بعضها ببعض، ما نسبتها من السماوات وكيف وضع النجوم التي فيها.

ومنها: مشاهدة الشياطين وكيف توالدها.

ومنها: مشاهدة الجن وأين يسكنون؟

ومنها: مشاهدة سير الشمس والقمر والنجوم ... وأما ما يشاهده في المقام الثاني فإنه يكاشف بالأنوار الباقية كما كوشف في المقام الأول بالأمور الظلمانية الفانية، فيشاهد في المقام الملائكة والحفظة والديوان والأولياء الذين يعمرونه ... وأما المقام الثالث فإنه يشاهد فيه أسرار القدر في تلك الأنوار المتقدمة. وأما المقام الرابع فإنه يشاهد فيه النور الذي ينبسط عليه الفعل، وينحل فيه كانحلال السمّ في الماء، فالفعل كالسم والنور كالماء ... وفي المقام الخامس يشاهد انعزال الفعل عن ذلك النور، فيرى النور نورا، والفعل فعلا ... والمفتوح عليه لا يغيب عليه ما في أرحام الأنثى فضلا عن غيره (١).

وكان الدباغ هذا يرى أيضا أن المتصوفة لا يعرفون الغيب فحسب، بل يعرفون الغيوب الخمسة التي ذكرها الله تعالى في محكم كتابه أنه لا يعلمها أحد غيره بقوله:

إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:٣٤]

ولكنه ابن المبارك ينقل عنه قائلا:

(قلت للشيخ: (أي عبد العزيز الدباغ) رضي الله عنه: إن علماء الظاهر من المحدثين وغيرهم اختلفوا في النبي صلى الله عليه وسلم، هل كان يعلم الخمس المذكورات في قوله: إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:٣٤]، فقال رضي الله عنه وعن سادتنا العلماء: كيف يخفى أمر الخمس عليه والواحد من أهل التصوف من أمته الشريفة لا يمكنه التصرف إلا بمعرفة هذه الخمس (٢).

والجدير بالذكر أن هذا هو القائل: (ما السماوات والأرضون السبع في نظر العبد المؤمن إلا كحلقة ملقاة في فلاة (٣).وأيضا: (إن الجنين إذا سقط من بطن أمه يراه العارف في تلك الحالة إلى آخر عمره (٤).

أما الرفاعي أحمد فنقلوا عنه أنه قال: (إن العبد ما يزال يرتقي من سماء إلى سماء حتى يصل إلى محل الغوث، ثم ترتفع صفته إلى أن تصير صفة من صفات الحق، فيطلعه على غيبه حتى لا تنبت شجرة، ولا تحضر ورقة إلا بنظره، ويتكلم هناك عن الله بكلام لا تسعه عقول الخلائق ... وكان يقول: إن القلب إذا انجلى من حبّ الدنيا وشهوتها صار كالبلّور، وأخبر صاحبه بما مضى وبما هو آت من أحوال الناس (٥).

ونقل ذلك الشعراني أيضا منه في طبقاته (٦).


(١) ((الإبريز)) للدباغ (ص ١٥١) وما بعد.
(٢) ((الإبريز)) (ص ١٦٧).
(٣) ((الإبريز)) (ص ٢٤٢).
(٤) ((الإبريز)) (ص ٢٧٤).
(٥) ((قلادة الجواهر في ذكر الرفاعي وأتباعه الأكابر)) (ص ١٤٨).
(٦) انظر ((الطبقات الكبرى)) للشعراني (١/ ١٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>