للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخبر عن نفسه بنفسه:

عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد:٩]

و: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [التغابن:١٨].

والآية التي هي نصّ في المسألة حيث أمر نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يقول:

قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ [النمل:٦٥].

كما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينفي عن نفسه الغيب:

قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [الأنعام:٥٠].

ونقل عن مصطفاه عليه الصلاة والسلام أنه قال:

قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير [الأعراف:١٨٨].

وقال نبيه مخاطبا إياه:

تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [المائدة:١١٦].

والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا، والأحاديث النبوية كذلك.

ولكن القوم يقولون عكس ذلك متأثرين بالتشيع، وآخذين أفكارهم ومعتقداتهم، فيقول القشيري في بيان درجات السلوك: ثم في خلال هذه الأحوال قبل وصوله إلى هذا المقام الذي هو نهاية كان يرى جملة الكون يضيء بنور كان له حتى لم يخف من الكون عليه شيء وكان يرى جميع الكون من السماء والأرض رؤية عيان ولكن بقلبه، وكان لا يرى في هذا الوقت بعين لأنه شيء ولكن لم يكن هذه رؤية علم، بل لو تحرك في الكون ذرة أو نملة) (١).

ونقل الكلاباذي عن أبي عبد الله الأنطاكي أنه قال: (إذا جالستم أهل الصدق فجالسوهم بالصدق، فإنهم جواسيس القلوب، يدخلون في أسراركم، ويخرجون من هممكم (٢).

ويقول ابن عجيبة الحسني: (إن الحق سبحانه قسّم الخلق قسمين وفرقهم فرقتين: قسم اختصهم بمحبته، وجعلهم من أهل ولايته، ففتح لهم الباب، وكشف لهم الحجاب، فأشهدهم أسرار ذاته، ولم يحجبهم عنه بآثار قدرته (٣).فإذا كشف الحجاب، وفتح لهم الباب (علم العوالم بأجمعها على ما هي عليه من تفاريعها من المبدأ إلى المعاد وعلم كل شيء، كيف كان؟ وكيف هو كائن؟ وكيف يكون؟ وعلم ما لم يكن، ولم لا يكون ما لم يكن؟ ولو كان ما لم يكن كيف كان يكون؟ كل ذلك علماً أصليا حكيما كشفيا ذوقيا من ذاته لسريانه في المعلومات علما إجماليا تفصيلاً كليا جزئيا مفصلا في إجماله ... ومنهم من تجلى الله عليه بصفة السمع فيسمع نطق الجمادات والنباتات والحيوانات، وكلام الملائكة واختلاف اللغات، وكان البعيد عنه كالقريب (٤).

وقال عماد الدين الأموي: (إذا انكشفت الحجب عن القلب تجلى فيه شيء مما هو مستور في اللوح المحفوظ، ولمع في القلب من وراء ستر الغيب شيء من غرائب العلم (٥).وأيضا: (يشرف على الملكوت الأعظم، ويرى عجائبه، ويشاهد غرائبه، مثل اللوح، والقلم، واليمين الكاتبة، وملائكة الله تعالى يطوفون، حول العرش يسبحون بحمد ربهم، وبالبيت المعمور، ويسبحونه ويقدسونه، ويفهم كلام المخلوقين من الحيوانات والجمادات، ثم يتخطى منها إلى معرفة الخالق للكل والمالك للكل فتغشاهم الأنوار، وتتجلى لقلوبهم الحقائق (٦).


(١) ((رسالة ترتيب السلوك)) للقشيري من ((مجموعة الرسائل القشيرية)) لعبد الكريم القشيري المتوفى ٤٦٥ ط المعهد المركزي للأبحاث الإسلامية باكستان ١٣٨٤ هـ.
(٢) ((التعرف)) للكلاباذي (ص ٣٣).
(٣) ((إيقاظ الهمم)) لابن عجيبة الحسني (ص ٧٧).
(٤) ((الإنسان الكامل)) للجيلي (١/ ٦٣ - ٦٤).
(٥) ((حياة القلوب في كيفية الوصول إلى الجنوب)) لعماد الدين الأموي (ص ٢٦١) بهامش ((قوت القلوب)) لأبي طالب.
(٦) ((حياة القلوب)) (ص ٢٧٥ - ٢٧٦) بهامش ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي.

<<  <  ج: ص:  >  >>