للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثل ذلك ذكر الشعراني عن الدسوقي المتوفى ٧٧٦هـ حيث قال: (أنا كل وليّ في الأرض خلعته بيدي. ألبس منهم من شئت، أنا في السماء شاهدت ربي، وعلى الكرسي خاطبته، أنا بيدي أبواب النار أغلقتها، وبيدي جنة الفردوس فتحتها. من زارني أسكنته جنة الفردوس (١).

نعوذ بالله من مثل هذه الخرافات، ولا يؤاخذنا الله على نقل ما اقترفته الأيدي الأثيمة والألسن الخبيثة، ربنا لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا إنْ هي إلا فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.

ثم إن الصوفية أصّلوا قاعدة وحكما عاما، وقالوا: (ما كان وليّ متصل بالله تعالى إلا وهو يناجي ربه كما كان موسى عليه السلام يناجي ربه (٢). (وإذا صفا قلب الفقير صار مهبط الوحي (٣).والدباغ يقول: (وكلام الحق سبحانه يسمعه المفتوح عليه إذا رحمه الله عز وجل سماعا خارقا للعادة فيسمعه من غير حرفه ولا صوت ولا إدراك لكيفية، ولا يختص بجهة دون جهة، بل يسمعه من سائر الجهات، بل ومن سائر جواهر ذاته، وكما لا يخص السماع له جهة دون أخرى، كذلك لا يخص جارحة دون أخرى يعني أنه يسمعه بجميع جواهره وسائر أجزاء ذاته فلا جزء ولا جوهر ولا سنّ ولا ضرس ولا شعرة منه إلا وهو يسمع به، حتى تكون ذاته بأسرها كأذن سامعة،، ثم ذكر اختلاف أهل الفتح في قدر السماع وبيّنه بما لا يذكر (٤). (وأن معراج الصوفية، وخرقهم السماوات، ومكالمتهم الربّ، ومخاطبته إياهم جائز شرعا ونقلا، وهو المنقول عن الشاذلي، وابن عطاء الله في (لطائف المنن)، ومحمد السنوسي في كبراه، والشيخ عبد الباقي وغيرهم (٥).

وقد نقل الشعراني عن الشاذلي قوله: (لا إنكار على من قال: كلّمني الله كما كلّم موسى (٦).وأما ابن عربي القائل دوما: (حدثني قلبي عن ربي، في كتبه ورسائله، و: ما صنفت كتابا عن تدبير واختيار إلا بأمر من الله وإرشاده (٧).

يقول في سماع الصوفي كلام الربّ عندما يبلغ الدرجة العليا، ويتحقق في مقامه، يقول: (إنما يسمع الصوفي في هذا المقام ويمتثل ما يسمع – كما أنا ما زلت أسمع متحققا في مقامي من الحق (٨).

وأما إطلاعهم على الغيب، وإحاطتهم بعلم ما كان وما يكون، وإخبارهم بكل ما ظهر وما بطن فكتب القوم مليئة بهذه المختلقات، بل يمكن لقارئ كتب الصوفية والباحث في تراجمهم وطبقاتهم أن يقول: إن شخصا ما ينسب إلى هؤلاء الناس ويعدّ منهم إلا أن يكون حاملا لذلك العلم الذي هو من خاصة رب السماوات والأرض، حيث أخبر عن ذاته سبحانه تبارك وتعالى:

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [الأنعام:٥٩].

وقال: وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [هود:١٢٣].

وقال: إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [فاطر:٣٨].


(١) انظر ((الطبقات الكبرى)) للشعراني (١/ ١٨٠).
(٢) ((الطبقات الكبرى)) للشعراني (١/ ١٨٠).
(٣) ((الأخلاق المتبولية)) للشعراني (١/ ١٠٠) المنقول عن إبراهيم المتبولي.
(٤) ((الإبريز)) للدباغ (ص ١٥٦).
(٥) ((كتاب الطبقات)) للجعلي الفضلي (ص ١٠٧).
(٦) ((مقولة الشاذلي المنقولة في طبقات الشعراني)) (٢/ ٦٩).
(٧) انظر ((تنبيه المغترين)) للشعراني (ص ١٣٦).
(٨) انظر ((مواقع النجوم)) لابن عربي (ص ١٦٤) وما بعد الطبعة الأولى ١٣٢٥ هـ مطبعة السعادة مصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>