للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(نقل عن السيد إبراهيم الأعزب أنه قال: كنت جالسا في الغرفة مع السيد أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنهما، ورأسه على ركبتيه، فرفع رأسه وضحك بأعلى صوته فضحكت أنا أيضا ثم ألححت عليه ليخبرني عن سبب ضحكه، فقال:

أي إبراهيم، ناداني العزيز سبحانه: أني أريد أن أخسف الأرض، وأرمي السماء على الأرض.

فلما سمعت هذا النداء تعجبت، وقلت: إلهي، من ذا الذي يعارضك في ملكك وإرادتك؟ قال سيدي إبراهيم: فأخذته الرعدة ووقع على الأرض وبقي في ذلك الحال زمانا طويلا (١).

وحينما رأى الشاذلية هذه المكانة العالية، والمنزلة الرفيعة لمرشد الرفاعية، الرفاعي، لم يرضوا أن يتخلفوا عنهم، فقالوا: إن ما لشاذلينا لم تكن مخاطبات فحسب، بل إن الله جل مجده هو الذي سماه بهذا الاسم، فيذكر الإمام الأكبر السابق للأزهر، الدكتور عبد الحليم محمود نقلا عن أبي الحسن الشاذلي كيفية نزوله من جبل زغوان، ومغادرته خلوته، فيقول:

(قيل لي: يا علي: اهبط إلى الناس ينتفعوا بك.

فقلت: يا ربّ أقلني من الناس فلا طاقة لي بمخالطتهم.

فقيل لي: انزل فقد أصحبناك السلامة، ودفعنا عنك الملامة.

فقلت: تكلني إلى الناس آكل من دريهماتهم.

فقيل لي: أنفق يا علي، وأنا الملي، إن شئت من الجيب، وإن شئت من الغيب.

ونزل الشاذلي رضي الله عنه من على الجبل ليغادر شاذلة، ويستقبل مرحلة جديدة، فقد انتهت المرحلة الأولى التي رسمها له شيخه.

وقبل أن نغادر معه شاذلة إلى رحلته الجديدة نذكر ما حكاه رضي الله عنه فيما يتعلق بنسبته إلى شاذلة، قال:

قلت: يا ربّ لم سميتني بالشاذلي؟ ولست بشاذلي؟ فقيل لي: يا علي، ما سميتك بالشاذلي وإنما أنت الشّاذّ لي. بتشديد الذال المعجمة يعني: المنفرد لخدمتي ومحبتي (٢).

هذا ولقد نقلوا مثل هذه المكالمات والمناجاة بين ذي النون المصري والربّ تبارك وتعالى أيضا (٣).

وقلما يوجد صوفي أو متصوف إلا وقد ادّعى مثل هذه الدعوى، وكتب التراجم وطبقات الصوفية مليئة بمثل هذه الأكاذيب والشناعات، والجرأة على الله، والإنتقاص من شأن نبينا صلوات الله وسلامه عليه خاتم النبيين وسيد المرسلين، حيث ينسبون إلى أنفسهم، أو إلى مرشديهم ومتصوفيهم ما لم يكن لبشر أن يحصل عليه، حتى سيد الخلائق وأفضل النبيين والمرسلين مثل ما أوردنا عنهم، ومثل مارووا عن فتح الله بوراس القيرواني أنه كان يقول: (أشهدني الله تعالى ما في السموات السبع وما في الكرسي وما في اللوح المحفوظ وجميع ما في الحجب، وفككت طلاسم السماوات السبع والفلك الثامن الذي فيه جميع الكواكب وجميع الفلك الثامن، وهم بنات نعش والجدي والقطب، ووصلت إلى الفلك التاسع الذي يسمونه الأطلس، ورصدت جداوله وأنا عند ذلك طفل صغير لم أبلغ الحلم (٤).

وكان يقول:

(وفي السماء السابعة شاهدت ربي وكلّمته

وفوق العرش والكرسي قد ناداني وخاطبته

وما في اللوح المحفوظ من الآي والأمر والنهي قد حفظته

وبيدي باب الجنان قد فتحته ودخلته

وما فيه من الحور العين قد رأيته وحصيته

ومن رآني ورأي من رآني وحضر مجلسي

في جنة عدن وبستانها قد أسكنته).


(١) انظر ((قلادة الجواهر في ذكر الرفاعي وأتباعه الأكابر)) للسيد محمد أبي الهدى الرفاعي (ص ١٨٠).
(٢) انظر كتاب الدكتور عبد الحليم محمود ((المدرسة الحديثة الشاذلية وإمامها أبو الحسن الشاذلي)) (ص ٣٤)، ٣٥ ط دار الكتب الحديثة القاهرة.
(٣) انظر ((تذكرة الأولياء)) للعطار (ص ٧٤) ط باكستان.
(٤) ((الوصية الكبرى)) لشيخ العروسية عبد السلام الفيتوري (ص ٧٥) ط مكتبة النجاح طرابلس ليبيا.

<<  <  ج: ص:  >  >>