للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلولاك ما كنا ولولاي لم تكن ... فكنت وكنا والحقيقة لا تدرى

فإياك نعني بالمعزة والغنى ... وإياك نعني بالفقير ولا فقرا (١) ... ... فلينظر الباحث، وليتعمق وهل بقي هناك شيء خفي بعد هذا كله؟

ولكننا لتوثيق ما هو موثق نورد نصوصا أخرى من أكابر القوم الآخرين، وأعاظمهم.

منها ما نقل المتصوفة عن أبي يزيد البسطامي أنه كثيرا ما كان يقول للفقهاء: (أخذتم علمكم ميتا عن ميت، ونحن أخذنا علمنا عن الحيّ الذي لا يموت (٢).

وهو الذي يذكرون عنه أنه ذكر معراجه ومكالمته الرب – تعالى الله عما يقولون به علوا كبيرا – فيقول:

(أدخلني في الفلك الأسفل، فدوّرني في الملكوت السفلي، فأراني الأرضين وما تحتها إلى الثرى، ثم أدخلني في الفلك العلوي فطوّف بي في السموات وأراني ما فيها من الجنان إلى العرش.

ثم أوقفني بين يديه فقال لي: سلني أيّ رأيت حتى أهبه لك، فقلت: يا سيدي ما رأيت شيئا استحسنته فأسألك إياه، فقال: أنت عبدي حقا تعبدني لأجلي صدقا لأفعلن بك (٣).

ونقل الآخرون الكثيرون عنه أيضا أنه قال:

(رفعني مرة فأقامني بين يديه، وقال لي:

يا أبا يزيد، إن خلقي يحبون أن يروك. فقلت: زيّني بوحدانيتك، وألبسني أنانيتك، وارفعني إلى أحديتك، حتى إذا رآني خلقك قالوا: رأيناك، فتكون أنت ذاك، ولا أكون أنا هنا (٤).

ونقلوا مثل ذلك عن السري السقطي رواية عن الجنيد أنه قال:

بتّ عند سري ليلة، فقال لي: أنائم أنت؟

فقلت: لا.

فقال: أوقفني الحق بين يديه، فقال: أتدري لم خلقت الخلق؟

قلت: لا. قال: خلقتهم فادّعوا محبتي، فخلقت الدنيا، فاشتغل بها من عشرة آلاف تسعة آلاف، وبقي ألف، فخلقت الجنة فاشتغل بها تسعمائة، وبقي مائة، فسلطت عليهم شيئا من بلائي، فاشتغل تسعون، وبقي عشرة، فقلت لهم: لا الدنيا أردتم، ولا في الجنة رغبتم، ولا من البلاء هربتم، فماذا تريدون؟

قالوا: إنك تعلم ما نريد.

فقال: سأنزل عليكم من البلاء ما لا تطيقه الجبال، أفتثبتون؟

قالوا: ألست أنت الفاعل؟ قد رضينا بذلك. نحمد ذلك بك وفيك ولك.

فقال: أنتم عبادي حقا (٥).

ورووا عن الجنيد أنه قال: (لي ثلاثون سنة أتكلم مع الله تعالى (٦).

وعن صوفي قديم آخر سهل بن عبد الله التستري أنه قال: (أنا منذ ثلاثين سنة أكلم الله والناس يتوهمون أني أكلمهم (٧).

والشعراني نقل عن علي الخواص أنه قال:

(قد سمعت سيدي إبراهيم المتبولي يقول كثيرا: لي ثلاثون سنة وأنا مقيم في حضرة الله لم أخرج، وجميع ما أتكلم به إنما أكلم به الحق سبحانه وتعالى (٨).

والرفاعية أيضا لا يريدون أن يقل شأن مرشدهم وهاديهم، وتنحط مكانته في أعين مريديه ومقلديه، فنقلوا عنه أنه كان كثيرا بينه وبين الربّ مناجاة ومخاطبات فنقلوا عن ابن جلال في جلاء الصد وا نصه:


(١) ((الإنسان الكامل)) لعبد الكريم الجيلي (ص ٦٥ - ٦٦) الطبعة الرابعة مصطفى البابي الحلبي ١٤٠٢ هـ.
(٢) ((الجواهر والدرر)) للشعراني بهامش ((الإبريز)) (ص ٢٦٨)، أيضا ((ذخائر الأعلاق)) لابن عربي (ص ١٥٣).
(٣) ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي (٢/ ٧٠)، كذلك ((محاسن المجالس)) لابن العريف ((ص ٧٧))، أيضا ((غيث المواهب العلية)) للنفزي الرندي (ص ٣٠٥).
(٤) انظر كتاب ((اللمع)) للطوسي (ص ٤٦١).
(٥) ((روضة التعريف)) للسان الدين بن الخطيب (ص ٥٣٧ - ٥٣٨) ط دار الفكر العربي القاهرة.
(٦) ((طبقات الشعراني)) (ص ٢٠٠).
(٧) ((التعرف لمذهب أهل التصوف)) بتحقيق محمود أمين النواوي (ص ١٧٢) ط القاهرة الطبعة الثانية ١٩٨٠م.
(٨) انظر ((الأخلاق المتبولية)) للشعراني (١/ ٤٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>