للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال شيخ الإسلام في فتاواه: (وكذا لفظ (خاتم الأولياء) لفظ باطل لا أصل له، وأول من ذكره محمد بن علي الحكيم الترمذي، وقد انتحله طائفة كل منهم يدعي أنه خاتم الأولياء: كابن حمويه وابن عربي وبعض الشيوخ الضالين بدمشق وغيرها، وكل منهم يدعي أنه أفضل من النبي عليه السلام من بعض الوجوه، إلى غير ذلك من الكفر والبهتان، وكل ذلك طمعاً في رياسة خاتم الأولياء لما فاتتهم رياسة خاتم الأنبياء، وقد غلطوا، فإن خاتم الأنبياء إنما كان أفضلهم للأدلة الدالة على ذلك، وليس كذلك خاتم الأولياء. فإن أفضل أولياء هذه الأمة السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر رضي الله عنه، ثم عمر رضي الله عنه وثم عثمان رضي الله عنه، ثم علي رضي الله عنه، وخير قرونها القرن الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وخاتم الأولياء في الحقيقة آخر مؤمن تقي يكون في الناس، وليس ذلك بخير الأولياء، ولا أفضلهم بل خيرهم وأفضلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه تعالى عنه، ثم عمر: اللذان ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل منهما (١).

وقبل أن نورد نصوصا أخرى من القوم ممن خلف ابن عربي في مثل هذه المقولات وسبقوه نودّ أن نلفت أنظار القراء والباحثين إلى أن خاتم الأولياء الذي صعد وارتقى تلك المنزلة الكبرى، وحاز ذلك المنصب العظيم حتى ازداد على أنبياء الله ورسله، لم يكن عند ابن عربي إلا هو نفسه كما يقول في (فتوحاته):

(أنا ختم الولاية دون شك

لورثي الهاشمي مع المسيح

كما أني أبو بكر عتيق

أجاهد كلّ ذي جسم وروح

بأرواح مثقفة طوال

وترجمة بقرآن فصيح

أشدّ على كتيبة كل عقل

تنازعني على الوحي الصريح

لي الورع الذي يسمو اعتلاء

على الأحوال بالنبأ الصحيح

وساعدني عليه رجال صدق

من الورعين من أهل الفتوح

يوالون الوجوب وكلّ ندبويستثنون سلطنة المبيح (٢).

وهناك تصريحات أخرى منه ومن أتباعه، نذكرها في ترجمته في باب مستقل في الجزء الثاني من هذا الكتاب، تحت تراجم كبراء المتصوفين – إن شاء الرحمن -.

وأما الحكيم الترمذي الذي منه أخذ ابن عربي تلك الفكرة في أخذ النبي العلم والمعرفة من الملك، وأخذ الوليّ بدون واسطة، فيقول في جواب سؤال: ما الفرق بين النبوة والولاية؟: (الفرق بين النبوة والولاية أن النبوة كلام ينفصل من الله وحيا، ومعه روح من الله فيقضي الوحي ويختم بالروح ... والولاية لمن ولى الله حديثه على طريق أخرى، فأوصله إليه فله الحديث، وينفصل ذلك الحديث من الله عز وجل، على لسان الحق معه السكينة، تتلقاه السكينة في قلب المحدّث، فيقبله ويسكن إليه (٣).

ثم يذكر خاتم الأولياء فيقول:

(لما قبض الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم صيّر في أمته أربعين صديقا بهم تقوم الأرض، وهم آل بيته، فكل ما مات واحد منهم خلفه من يقوم مقامه، حتى إذا انقرض عددهم وأتى وقت زوال الدنيا إبتعث الله وليا اصطفاه واجتباه، وقرّبه وأدناه، وأعطاه ما أعطى الأولياء، وخصّه بخاتم الولاية، فيكون حجة الله يوم القيامة على سائر الأولياء فيوجد عنده بذلك الختم صدق الولاية على سبيل ما وجد عند محمد صلى الله عليه وسلم من صدق النبوة فلم ينله العدو، ولا وجدت النفس إليه سبيلا إلى الأخذ بحظها من الولاية.


(١) ((فتاوى شيخ الإسلام)) (١١/ ٤٤٤) جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم وابنه.
(٢) ((الفتوحات المكية)) لابن عربي (ج٤ الباب الثالث والأربعون) (ص ٧١) بتحقيق عثمان إبراهيم يحيى مدكور ط الهيئة المصرية العامة للكتاب ١٩٧٥ م.
(٣) كتاب ((ختم الولاية)) الفصل العاشر علامات الأولياء (ص ٣٤٦ - ٣٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>