للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا برز الأولياء يوم القيامة واقتضوا صدق الولاية والعبودية وجد الوفاء عند هذا الذي ختم الولاية تماما، فكان حجة الله عليهم وعلى سائر الموحدين من بعدهم، وكان شفيعهم يوم القيامة، فهو سيدهم، ساد الأولياء، كما ساد الأنبياء، فينصب له مقام الشفاعة، ويثني على الله تعالى ثناء ويحمده بمحامد يقرّ الأولياء بفضله عليهم في العلم بالله تعالى. فلم يزل هذا الولي مذكورا في البدء، أولا في الذكر، وأولا في العلم، ثم هو الأول في المشيئة، ثم هو الأول في اللوح المحفوظ، ثم الأول في الميثاق، ثم الأول في المحشر، ثم الأول في الجوار، ثم الأول في الخطاب، ثم الأول في الوفادة، ثم الأول في الشفاعة، ثم الأول في دخول الدار، ثم الأول في الزيارة، فهو في كل مكان أول الأولياء (١).

وقد سئل: أين مقامه؟ فقال:

(في أعلى منازل الأولياء، في ملك الفردانية، وقد انفرد في وحدانيته، ومناجاته كفاحا في مجالس الملك، وهداياه من خزائن السعي.

قال: وما خزائن السعي؟ قال: إنما هي ثلاث خزائن: المنن للأولياء، وخزائن السعي لهذا الإمام القائد، وخزائن القرب للأنبياء عليهم السلام، فهذا (خاتم الأولياء) مقامه من خزائن المنن، ومتناوله من خزائن القرب، فهو في السعي أبدا، فمرتبته هنا، ومتناوله من خزائن الأنبياء عليهم السلام، قد انكشفت له الغطاء عن مقام الأنبياء ومراتبهم وتحفهم (٢).

ويقول أيضا: (وقد يكون في الأولياء من هو أرفع درجة، وذاك عبد قد ولى الله استعماله، فهو في قبضته يتقلب، به ينطق، وبه يسمع، وبه يبصر، وبه يبطش، وبه يعقل، شهره في أرضه، وجعله إمام خلقه ووصاحب لواء الأولياء، وأمان أهل الأرض، ومنظر أهل السماء، وريحانة الجنان، وخاصة الله، وموضع نظره، ومعدن سره، وسوطه في أرضه، يؤدب به خلقه، ويحيي القلوب الميتة برؤيته، ويرد الخلق إلى طريقه، وينعش به حقوقه، مفتاح الهدى، وسراج الأرض، وأمين صحيفة الأولياء، وقائدهم، والقائم بالثناء على ربه، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم! يباهي به الرسول في ذلك الموقف، وينوه الله باسمه في ذلك المقام، ويقر عين رسول الله صلى الله عليه وسلم!، قد أخذ الله بقلبه أيام الدنيا، ونحله حكمته العليا، وأهدى إليه توحيده، ونزه طريقه عن رؤية النفس، وظل الهوى، وأئتمنه على صحيفة الأولياء، وعرّفه مقاماتهم، وأطلعه على منازلهم. فهو سيد النجباء، وصالح الحكماء، وشفاء الأدواء، وإمام الأطباء. كلامه قيد القلوب، ورؤيته شفاء النفوس، وإقباله قهر الأهواء، وقربه طهر الأدناس، فهو ربيع يزهر نوره أبداً، وخريف يجنى ثماره دأبا، وكهف يلجأ إليه، ومعدن يؤمل ما لديه، وفصل بين الحق والباطل. وهو الصديق والفاروق والولي والعارف والمحدّث. هو واحد الله في أرضه (٣).

وأما ما قاله المتأخرون فهو أظهر وأصرح، فيقول داود القيصري:

(فالنبوة دائرة تامة مشتملة على دوائر متباينة متفاوتة في الحيطة، وقد علمت أن الظاهر لا يأخذ التأييد والقوة والتصرف والعلوم، وجميع ما يفيض من الحق تعالى عليه إلا بالباطن: وهو مقام الولاية، المأخوذ من الولي، وهو القرب، والوليّ بمعنى الحبيب أيضا منه.

فرباط النبوة الولاية، وهي تنقسم بالعامة والخاصة. فالأولى تشتمل على كل من آمن بالله وعمل صالحا، على حسب مراتبهم كما قال الله تعالى: اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ [البقرة:٢٥٧].


(١) ((ختم الولاية)) للترمذي الحكيم الفصل التاسع (ص ٣٤٤ - ٣٤٥).
(٢) أيضا (ص ٣٦٧).
(٣) ((نوادر الأصول)) للترمذي (ص ١٥٧، ١٥٨) ط الآستانا.

<<  <  ج: ص:  >  >>