للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - أما احتجاجهم على أن القرآن من جبريل أو محمد بقوله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة: ٤٠، التكوير: ١٩] – والرسول في آية الحاقة هو محمد صلى الله عليه وسلم، وفي آية التكوير هو جبريل عليه السلام – فهو احتجاج غريب، خاصة وأن النصوص الأخرى واضحة الدلالة في أنه منزل من عند الله وأنه كلام الله. وقد رد عليهم شيخ الإسلام في استدلالهم بما يلي: أ- أنه: "أضافه إلى الرسول من البشر تارة، وإلى الرسول من الملائكة تارة، باسم "الرسول ولم يقل: إنه لقول ملك، ولا نبي؛ لأن لفظ الرسول يبين أنه مبلغ عن غيره، لا منشئ له من عنده وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النور: ٥٤، العنكبوت: ١٨]، فكان قوله: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ بمنزلة قوله: لتبليغ رسول، أو مبلغ من رسول كريم، أو جاء به رسول كريم، وليس معناه أنه أنشأه أو أحدثه أو أنشأ شيئا منه وأحدثه رسول كريم، إذ لو كان منشئا لم يكن رسولا فيما أنشأه وابتدأه، وإنما يكون رسولا فيما بلغه وأداه، ومعلوم أن الضمير عائد إلى القرآن مطلقا" (١).ب- "وأيضا فلو كان أحد الرسولين أنشأ حروفه ونظمه امتنع أن يكون الرسول الآخر هو المنشئ المؤلف لها، فبطل أن تكون إضافته إلى الرسول لأجل إحداث لفظه ونظمه" (٢).ولو صح قول هؤلاء لجاز أن يقال إنه قول البشر، وهذا قوله الوحيد الذي فضحه الله وأصلاه سقر، ولو قالوا: الوحيد جعل الجميع قول البشر، ونحن جعلنا الكلام العربي قول البشر، وأما معناه فهو كلام الله، فيقال لهم: هذا نصف قول الوحيد، والقرآن الذي يتلى هو الذي كان يفهم منه المشركون أنه كلام الله دون أن يفرقوا بين ألفاظه ومعانيه (٣).ج- ودلالة الآيتين واضحة، لأنه لما كان المبلغ للقرآن ملكا وليس شيطانا، أخبر تعالى أنه تبليغ ملك كريم، وكذلك الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لأنه هو المبلغ لهذا القرآن للناس، وإن هذا الرسول ليس شاعراً ولا كاهناً وإنما هو رسول كريم (٤).وكثيرا ما يركز شيخ الإسلام على بيان أن الكلام كلام لمن اتصف به مبتدئا منشئا لا لمن تكلم به مبلغا مؤديا. وهذا واضح، فإن من قرأ حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم، أو قصيدة لشاعر، فإنه لا يقول عاقل إن الحديث أو القصيدة هي من إنشاء راويها (٥).


(١) ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٢٦٥ - ٢٦٦)، وانظر أيضا: ((الكيلانية – مجموع الفتاوى –)) (١٢/ ٣٧٧ - ٣٧٨).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٢٦٦)، وانظر: ((مجموع الفتاوى)) (٢/ ٥٠، ١٢/ ٣٠٨)، ((والكيلانية – مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٣٧٧).
(٣) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٢٦٦ - ٢٦٧، ٣٠٧)، ((ودرء التعارض)) (١/ ٢٥٨).
(٤) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٢٧٠).
(٥) انظر: ((الكيلانية – مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٣٧٨)، و ((درء التعارض)) (١/ ٢٥٦ - ٢٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>