للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذه الأدلة قوله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ [النحل: ٩٨ - ١٠٣].فقوله قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ يدل على نزول القرآن من ربه، والقرآن اسم للقرآن العربي لفظه ومعناه، كما أن قوله وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ، وهم كانوا يقولون إنما يعلمه بشر، ولم يكونوا يقصدون أنه يعلمه معانيه فقط، لقوله بعد ذلك: بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ والله تعالى أبطل قول الكفار، لأن لسان الذي يضيفون إليه القرآن أعجمي، والقرآن بلسان عربي مبين (١).ومن الأدلة – أيضا – قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا إلى قوله – أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [الأنعام: ١١٢ - ١١٤]. والكتاب اسم للقرآن العربي بالضرورة والاتفاق، وهذا يرد على الكلابية والأشعرية، وقوله: وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً يتناول نزول القرآن العربي على كل من الأقوال التي تفرق بين كتاب الله وكلام الله، أو بين القرآن "المعنى"، والقرآن "اللفظ". لأن الله سمى مجموع اللفظ والمعنى كتاب وقرآنا وكلاما (٢).

والقرآن الكريم يجب أن يعلم فيه أصلان عظيمان:

أحدهما: "أن القرآن له بهذا اللفظ والنظم العربي اختصاص لا يمكن أن يماثله في ذلك شيء أصلا، أعني خاصة في اللفظ، وخاصة فيما دل عليه من المعنى، ولهذا لو فسر القرآن ولو ترجم، فالتفسير والترجمة قد يأتي أصل المعنى أو يقربه، وأما الإتيان بلفظ يبين المعنى كبيان لفظ القرآن فهذا غير ممكن أصلا، ولهذا كان أئمة الدين على أنه لا يقرأ بغير العربية، لا مع القدرة عليها، ولا مع العجز عنها ... ".الأصل الثاني: أن القرآن إذا ترجم أو قرئ بالترجمة فله معنى يختص به لا يماثله فيه كلام أصلا، ومعناه أشد مباينة لفظه ونظمه لسائر اللفظ والنظم، والإعجاز في معناه أعظم بكثير من الإعجاز في لفظه ... " (٣). ومعلوم أن الإعجاز شامل للفظ والمعنى.

٤ - أن قول الأشاعرة في القرآن يقرب كثيرا من قول المعتزلة، وقد اعترف بذلك بعض علمائهم وذكروا أنه بالنسبة للقرآن العربي لا فرق فيه بين القولين.

فالأشاعرة يوافقون المعتزلة في إثبات خلق القرآن العربي، ولكنهم يفارقونهم من وجهين:


(١) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ١٢٣ - ١٢٤).
(٢) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ١٢٤ - ١٢٦).
(٣) ((التسعينية)) (ص: ٢١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>