للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وإن كان سؤاله عن مقام الأنبياء من الأولياء، أي أنبياء الأولياء – وهي النبوة التي قلنا أنها لم تنقطع، فإنها ليست نبوة الشرائع – وكذلك في السؤال عن مقام الرسل، الذين هم أنبياء فلنقل في جوابه: أن أنبياء الأولياء، مقامهم من الحضرات الإلهية الفردانية، والاسم الإلهي الذي تعبدهم (هو) الفرد، وهم المسمون الأفراد.

فهذا هو مقام نبوة الولاية، لا نبوة الشرائع. وأما مقام الرسل، الذين هم أنبياء فهم الذين لهم خصائص على ما تعبدوا به أتباعهم. كمحمد صلى الله عليه وسلم، فيما قيل له: (خالصة لك من دون المؤمنين) في النكاح بدون الهبة. فمن الرسل من لهم خصائص على أمتهم ومنهم من لا يختصه الله بشيء دون أمته. وكذلك الأولياء: فيهم أنبياء، أي خصوا بعلم لا يحصل إلا لنبي، من العلم الإلهي. ويكون حكمهم من الله، فيما أخبرهم به، حكم الملائكة. ولهذا قال (تعالى) في نبي الشرائع: (ما لم تحط به خبرا)، أي ما هو ذوقك، يا موسى! مع كونه كليم الله. فخرق (الخضر) السفينة، وقتل الغلام حكماً، وأقام الجدار - مكارم خلق – عن حكم الأمر الإلهي، (هذا كله) كخسف البلاد على يدي جبريل ومن كان من الملائكة. ولهذا كان الأفراد من البشر بمنزلة المهيمن من الملائكة، وأنبياؤهم منهم بمنزلة الرسل من الأنبياء (١).

هذا ويقول الآخرون مثل ما قاله ابن عربي، فيقول الفرغاني:

(أما الولاية فهي التصرف في الخلق بالحق، وليست في الحقيقة إلا باطن النبوة، لأن النبوة ظاهرة الأنباء، وباطنها التصرف في النفوس بإجراء الأحكام عليها. والنبوة مختومة من حيث الأنباء، إذ لا نبيّ بعد محمد صلى الله عليه وسلم، دائمة من حيث الولاية والتصرف (٢).

وأما السهروردي المقتول فيقول:

(إن اتفق في الوقت متوغل في التأله والبحث فله الرياسة، وإن لم يتفق فالمتوغل في التأله المتوسط في البحث. وإن لم يتفق فالحكيم المتوغل في التأله عديم البحث، وهو خليفة الله. ولا تخلو الأرض من متوغل في التأله أبدا (٣).

فهذه هي عقيدة أخرى منافية للإسلام ومخالفة له، ومعارضة لأسسه وقواعده، مناقضة لشرعته وتعاليمه، متبطنة الكفر أشد الكفر، ومتضمنة الارتداد كل الارتداد، مأخوذة من الشيعة واليهودية.

ومعروف أنهم لم يخترعوا هذه العقيدة ولم يختلقوها ليوصلوا المتصوفة إلى مقام النبوة ومكانتها كما وصّل الشيعة إليها أئمتهم، فوصفوهم بجميع أوصاف النبوة، واختصاصاتها، ومن أهمها العصمة.

المصدر:التصوف المنشأ والمصادر لإحسان إلهي ظهير


(١) ((الجواب المستقيم عما سأل عنه الترمذي الحكيم)) سؤال (رقم ٠ ١٨) (ص ١٦٧، ١٦٨) من كتاب ((ختم الأولياء)).
(٢) ((المقدّمات)) للفرغاني مخطوط آيا صوفيا (رقم ١٨٩٨) نقلا عن ((ختم الأولياء)) للترمذي (ص ٤٨٧) ط بيروت.
(٣) ((مجموعة في الحكمة المشرقية)) للسهر وردي (ص ٢٣ - ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>