للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء:٦٩] وقال وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [الجن:٢٣]. فدل القرآن في غير موضع على أن من أطاع الرسول كان من أهل السعادة ولم يشترط في ذلك طاعة معصوم آخر ومن عصى الرسول كان من أهل الوعيد وإن قدر أنه أطاع من ظن أنه معصوم فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي فرق الله به بين أهل الجنة وأهل النار وبين الأبرار والفجار وبين الحق والباطل وبين الغي والرشاد والهدى والضلال وجعله القسيم الذي قسم به عباده إلى شقي وسعيد فمن اتبعه فهو السعيد ومن خالفه فهو الشقي وليست هذه المرتبة لغيره ولهذا اتفق أهل العلم أهل الكتاب والسنة على أن كل شخص سوى الرسول فإنه يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يجب تصديقه في كل ما أخبر وطاعته في كل ما أمر فإنه المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى (١).

وهو كما قال شيخ الإسلام أن الصوفية يعتقدون في أوليائهم ما يعتقد الشيعة في أئمتهم من تأليههم، وجعلهم أنبياء أو كالأنبياء، معصومين، ولو أنهم كثيرا ما يتجنبون عن استعمال هذه اللفظة، ويستبدلونها بالحفظ، ولا يقصدون من ورائها إلا العصمة التي يستعملها الشيعة توقيا وتحفظا من طعن الطاعنين واعتراض المعترضين، وستر لتلك الصلة الوثيقة التي تربطهم مع الشيعة، لو أن بعض المتهورين منهم لم يراعوا هذا الكتمان والإخفاء، وباحوا بهذا السر جهرا وعلنا، عارفين بأن تقيتهم هذه لا تسمن ولا تغني من جوع، لأن المراد من كلتا اللفظتين واحد، لا اختلاف بينهما من حيث المدلول، فقال قائلهم: (وأما صور تلقيات الموحدين الخطابية فهو أن تنبعث اللطفية الإنسانية مجردة عن الفكر طالبة ما لا تعلم منه إلا نسبة الوجود إليه بتقييدها به فإذا نزل هذا العقل بحضرة من الحضرات نزل إليه بحكم التدلي أو برز له أو ظهر له اسم من الأسماء الحسنى بما فيه من الأسرار فيهبه بحسب تجريده وصحة قصده وعصمته في طريقه فيرجع إلى عالم كونه عالما بما ألقي إليه من علم ربه بربه أو من علم ربه بضرب من كونه ثم ينزل نزولا آخر هكذا أبدا الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأحقاف:٩] وهو خير البشر وأكثرهم عقلا وأصحهم فكرة وروية فأين الفكر هنا هيهات تلف أصحاب الأفكار والقائلون باكتساب النبوة والولاية كيف لهم ذلك والنبوة والولاية مقامان وراء طور العقل ليس للعقل فيهما كسب بل هما اختصاصان من الله تعالى لمن شاء (٢).

فاستعمل الشيخ الأكبر للصوفية العصمة للأنبياء والأولياء، وسوّى بينهما، ولم ير الفرق في كونهما مصطفين مختارين من قبل الله عز وجل، ومنزلتهما ومكانتهما لا تدركان بالعقل، ومنصبهما لا يكتسب. وقال في مقام آخر: (إن من شرط الإمام الباطن (يعني الولي) أن يكون معصوما، وليس الظاهر إن كان غيره مقام العصمة (٣).

وبمثل ذلك قال أبو الحسن الشاذلي: (إن من خواص القطب إمداد الله له بالرحمة والعصمة والخلافة والنيابة (٤).


(١) ((منهاج السنة النبوية)) لشيخ الإسلام (ص ١٧٤، ١٧٥).
(٢) كتاب ((التراجم)) لابن عربي من "مجموعة رسائله" (ص ٤).
(٣) ((الفتوحات المكية)) لابن عربي (٣/ ١٨٣).
(٤) كتاب ((القصد)) للشاذلي المنقول من كتاب ((الصلة بين التصوف والتشيع)) (١/ ٤١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>