للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ [آل عمران: ٨].ولطرافة كلام الشيخ ننقل ههنا ما كتبه في آداب المريد، فيقول: (ومن آداب المريد للشيخ: أن لا يكثر الكلام بحضرته ولو باسطه، ولا يجلس على سجادته، ولا يسبح بسبحته، ولا يجلس في المكان المعدّ له، ولا يلح عليه في أمر، ولا يسافر، ولا يتزوج، ولا يفعل فعلا من الأمور المهمة إلا بإذنه، ولا يمسك يده للسلام مثلا ويده مشغولة بشيء كقلم أو أكل أو شرب، بل يسلم بلسانه، وينتظر بعد ذلك ما يأمر به، وأن لا يمشي أمامه ولا يساويه في مشي إلا بليل مظلم ليكون مشيه أمامه صونا له من مصادفة ضرر ... وأن يرى كل بركة حصلت له من بركات الدنيا والآخرة فببركته ... وأن يصبر على جفوته وإعراضه عنه، ولا يقول: لم فعل بفلان كذا ولم يفعل بي كذا، وإلا لم يكن مسلما له قيادة: إذ من أعظم الشروط تسليم القيادة له ظاهرا وباطنا ... وأن يجعل كلامه على ظاهره فيمتثله إلا لقرينة صارفة عن إرادة الظاهر، فإذا قال له: اقرأ كذا، أو صلّ كذا، أو صم كذا وجب عليه المبادرة، وكذا إذا قال له وهو صائم: أفطر وجب عليه الفطر، أو قال: لا تصلّ كذا إلى غير ذلك ... وأن لا يدخل عليه في خلوة إلا بإذنه، وأن لا يرفع الستارة التي فيها الشيخ إلا بإذنه وإلا هلك كما وقع لكثير (١).

فلنرجع إلى موضوعنا ونقول: إن القوم يجعلون متصوفيهم معصومين حيث لا يجيزون الاعتراض عليهم، ويقولون: (من قال لأستاذه: لِمَ لا يفلح (٢).لأن (الشيخ في أهله كالنبي في أمته (٣).

وعلى ذلك قال القشيري: (من شرط المريد أن لا يكون بقلبه اعتراض على شيخه (٤).

وهناك حكايات ومقولات كثيرة في هذا المعنى تنبئ وتدلّ صراحة على أن عصمة المتصوفة وأوليائهم، مثل عصمة الأنبياء، وبتعبير صحيح كعصمة أئمة الشيعة، مثل الحكاية التي رواها ابن عجيبة في فتوحاته، عن بعض مشائخه قال: (رأيت يوما شخصا استحسنته فإذا لطمه وقعت على عيني، فسالت على خدي، فقلت: آه فقيل لي: لحظة بلطمة، لو زدت لزدناك (٥).

فمن كان هذا القائل يا ترى؟

فانظر كيف يدّعون العصمة حتى من النظر إلى أحد بتلذذ؟

وكذلك نقل أحد الرفاعيين عن الرفاعي أنه قال: (قال لي الشيخ يعقوب: رأيت الشيطان واقفا على باب داري فهممت بضربه، فقال: أي يعقوب، أنتم أهل الإنصاف، إن في بيتكم الأحمر والأصفر (أي الذهب والفضة أو الدنانير والدراهم)، وهما لي كيف لم أجيء إلى بيتكم؟ (٦).

صوفيّ رأى الشيطان وهمّ بضربه، فالمعنى أن الصوفي لا يمكن أن يغويّه الشيطان، فإذن هو معصوم عن الوقوع في المعاصي والخطايا، والزلات والسيئات.

هذا ومثل هذا كثير.

فهذه هي العقيدة الأخرى التي أخذها الصوفية من الشيعة، إن دلت على شيء دلت على روابط عتيقة بين التصوف والتشيع، وكون الأول مأخوذا عن الثاني.

المصدر:التصوف المنشأ والمصادر لإحسان إلهي ظهير


(١) كتاب ((سيدي أحمد الدردير)) للدكتور عبد الحليم محمود (ص ١١٩. ١٢٠، ١٢١).
(٢) انظر ((غيث المواهب العلية)) للنفزي الرندي (١/ ١٩٧).
(٣) انظر ((كشف المحجوب)) للهجويري (ص ٢٥٢)، ((غيث المواهب)) (١/ ١٩٧، ((صوم القلب)) لعمار البدليسي مخطوط ورقة رقم ١٩ المنقول من ملحق كتاب ((فوائح الجمال)) لنجم الدين الكبري تعليقة رقم ٢٢ ط ألمانيا ١٩٥٧ م، أيضا كتاب العروة للسمناني مخطوط المنقول من ((ختم الأولياء)) ص ٤٨٩، كذلك ((الفتوحات الإلهية)) لابن عجيبة الحسني (ص ١٧٣).
(٤) ((الرسالة القشيرية)) (٢/ ٧٣٦، أيضا ((التدبيرات الإلهية)) لابن عربي ص ٢٢٦، ((جامع الأصول)) للكمشخانوي ص ٢.
(٥) ((الفتوحات الإلهية)) ص ١٦٣.
(٦) انظر ((قلادة الجواهر)) لمحمد أبي الهدى الرفاعي ص ١٣٥ ط دار الكتب العلمية. بيروت.

<<  <  ج: ص:  >  >>