للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظاهر أن من يكون هذا شأنه لا يكون إلا معصوما محضا، لذلك أن الصوفية حينما يستعملون الحفظ، لا يريدون من وراء ذلك إلا العصمة، ولذلك ذكر الهجويري كلتا اللفظتين في معنى واحد، بصورة الألفاظ المترادفة حيث حكى عن الجنيد أنه قال: (تمنيت وقتا ما أن أرى إبليس - عليه اللعنة – وذات يوم كنت واقفا بباب المسجد، فإذا بشيخ يقبل من بعيد متجها إلي، فلما رأيته أحسست وحشة في قلبي، فلما اقترب مني قلت: من أنت أيها الشيخ، إذ لا طاقة لعيني برؤية وجهك من الوحشة، لا طاقة لقلبي بالتفكير فيك من الهيبة؟ قال: أنا الذي تتمنى مشاهدتي. قلت: يا ملعون! ما منعك أن تسجد لآدم؟ قال: يا جنيد كيف تتصور أني أسجد لغيره؟ قال الجنيد: فتحيرت في كلامه، فنوديت في سري أن: (قل له: كذبت، لو كنت خرجت عن أمره ونهيه. فسمع النداء من قلبي، فصاح وقال: أحرقتني بالله! وغاب (١).

ثمّ علق عليها بقوله: (وفي هذه الحكاية دليل على حفظه وعصمته، لأن الله سبحانه وتعالى يحفظ أولياءه في كل الأحوال من كيد الشيطان (٢).

وتؤيد وتدعم أنهم يدّعون أولياءهم ومتصوفيهم معصومين، مقولاتهم في كتبهم أنه لا يجوز الاعتراض على وليّ من أوليائهم أو على أحد من متصوفيهم، لو كان عمله يعارض الشرع، أو يظهر بصورة منكرة، فيقول الشعراني: (من دخل في صحبة شيخ، ثم اعترض عليه بعد ذلك فقد نقض عهد الصحبة (٣).

ثم نقل حكايتان خبيثتين تدلان على عقيدة القوم في مشائخهم وكونهم معصومين، فيقول:

(كان أبو سهل الصعلوكي رحمه الله يقول:

كان لبعض الأشياخ مجلس يفسر فيه القرآن العظيم فأبدله بمجلس قوال، فقال مريد بقلبه: كيف يبدل مجلس القرآن بمجلس قوال؟

فناداه الشيخ: يا فلان، من قال لشيخه: لم، لم يفلح.

فقال المريد: التوبة ... وزار أبو تراب النخشبي وشقيق البلخي أبا يزيد البسطامي، فلما قدّم خادمه السفرة قلا له: كل معنا يا فتى، فقال: لا، إني صائم.

فقال له أبو تراب: كل، ولك أجر صوم شهر.

فقال: لا، فقال له شقيق: كل، ولك أجر صوم سنة، فقال: لا، فقال أبو يزيد: دعوا من سقط من عين رعاية الله عز وجل، فسرق ذلك الشاب بعد سنة، فقطعت يده عقوبة له على سوء أدبه مع الأشياخ، ثم نقل عن الشيخ برهان الدين أنه قال: من لم ير خطأ الشيخ أحسن من صوابه لم ينتفع به (٤).

وبمثل ذلك قال شيخ الأزهر السابق نقلا عن سيده أحمد الدردير أنه قال: (فالآداب التي تطلب من المريد في حق شيخه أوجبها تعظيمه وتوقيره ظاهرا وباطنا، وعدم الاعتراض عليه في أيّ شيء فعله، ولو كان ظاهره أنه الحرام، ويؤول ما أبهم عليه، وتقديمه على غيره، وعدم الالتجاء لغيره من الصالحين، فلا يزور وليا من أهل العصر، ولا صالحا إلا بإذنه، ولا يحضر مجلس غيره إلا بإذنه، ولا يسمع من سواه حتى يتمّ سقيه من ماء سرّ شيخه (٥).

فهل هناك ضلال بعد هذا الضلال، وتسفيه للعقول بعد هذا كله؟

ومن رجل جعل شيخا لأكبر جامعة إسلامية وأقدمها في العالم؟


(١) ((كشف المحجوب)) للهجويري (ص ٣٤٢) ترجمة عربية للدكتورة إسعاد عبد الهادي قنديل ط دار النهضة بيروت ١٩٨٠ م.
(٢) ((كشف المحجوب)) (ص ٣٤٢).
(٣) انظر ((الأنوار القدسية في معرفة القواعد الصوفية)) للشعراني (١/ ١٧٤).
(٤) ((الأنوار القدسية)) للشعراني (١/ ١٧٥، ١٧٦).
(٥) انظر كتاب ((سيدي أحمد الدردير)) للدكتور عبد الحليم محمود ص ١١٩ ط دار الكتب الحديثة القاهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>