للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولربما استعملوا الحفظ على أوليائهم ومتصوفيهم، بدل العصمة الشيعية لأئمتهم، لكن في نفس المعنى والمقصود، فقالوا: (ومن شرط الوليّ أن يكون محفوظا، كما أن من شرط النبي أن يكون معصوما (١).لأن الحق يتولى تصريفه (فيصرّفه في وظائفه وموافقاته، فيكون محفوظا فيما لله عليه، مأخوذا عما له وعن جميع المخالفات، فلا يكون له إليها سبيل وهو العصمة (٢)(أن تصير الأشياء كلها له واحدة، فتكون كل حركاته في موافقات الحق دون مخالفاته (٣)(لطائف الله في عصمة أنبيائه وحفظ أوليائه أكثر من أن تقع تحت الإحصاء والعدّ (٤).

وبمثل ذلك قال القشيري:

(الوليّ له معنيان: أحدهما: فعيل بمعنى مفعول، وهو من يتولى الله سبحانه وتعالى أمره، قال تعالى وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ [الأعراف:١٩٦]، فلا يكله إلى نفسه لحظة، بل يتولى الحق سبحانه رعايته.

والثاني: فعيل مبالغة من الفاعل، وهو الذي يتولى عبادة الله وطاعته، فعبادته تجري على التوالي، من غير أن يتخللها عصيان. وكلا الوصفين واجب حتى يكون الوليّ وليا: يجب قيامه بحقوق الله تعالى على الاستقصاء والاستيفاء، ودوام حفظ الله تعالى إياه في السراء والضراء (٥).

وقال أيضا:

(فإن قيل: ما معنى الوليّ؟

قيل: يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون فعيلا مبالغة من الفاعل، كالعليم والقدير وغيره فيكون معناه: من توالت طاعاته من غير تخلل معصية. ويجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول، كقتيل بمعنى مقتول، وجريح بمعنى مجروح، وهو الذي يتولى الحق سبحانه، حفظه وحراسته على الادامة والتوالي، فلا يخلق له الخذلان الذي هو قدرة العصيان، وإنما يديم توفيقه الذي هو قدرة الطاعة، قال الله تعالى: وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ [الأعراف:١٩٦] (٦).

وبمثل ذلك قال الحكيم الترمذي تحت عنوان (وليّ حق الله ووليّ الله): (فهؤلاء كلهم أولياء حقوق الله، وهم أولياء الله يصيرون إلى الله تعالى في مراتبهم، فيحلون بها ويتنسمون روح القرب، ويعيشون في فسحة التوحيد والخروج عن رقّ النفس، قد لزموا المراتب، فلا يشتغلون بشيء إلا بما أذن لهم فيه من الأعمال. فإذا صرفهم الله من المرتبة إلى عمل أبدانهم حرسهم، فيمضون مع الحرس في تلك الأعمال، ثم ينقلبون إلى مراتبهم، هذا دأبهم (٧).

وعلق ابن عجيبة على قول الشبلي: (الصوفية أطفال في حجر الحق تعالى)، علق عليه بقوله: (يعني أنه يتولى حفظهم وتدبيرهم على ما فيه صلاحهم ولا يكلهم إلى أنفسهم (٨).


(١) ((الرسالة القشيرية)) (٢/ ٥٢١)، و ((روضة التعريف)) (ص ٥٢١)، ((مواقع النجوم)) لابن عربي (ص ٨٠)، ((غيث المواهب)) للنفزي (ص ١٣١)، ((جمهرة الأولياء)) (١/ ٩٧)، ((مشارق أنوار القلوب)) للدباغ (ص ١٠٣)، ((فوائح الجمال)) لنجم الدين الكبري (ص ٨٢) وغيرها من الكتب الكثيرة.
(٢) ((التعرف)) للكلاباذي (ص ١٤٧).
(٣) أيضا ص ٤٨.
(٤) أيضا ص ١٥٥.
(٥) الرسالة القشيرية (٢/ ٥٢٠.
(٦) أيضا (٢/ ٦٦٤، ٦٦٥).
(٧) كتاب ((ختم الأولياء)) للترمذي (ص ١٣٩).
(٨) ((إيقاظ الهمم)) في شرح الحكم لابن عجيبة الحسني ص ١٦٨ الطبعة الثالثة ١٩٨٢ القاهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>