للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فأوضح الله بأئمة الهدى من أهل بيت نبينا صلى الله عليه وآله عن دينه، وأبلج بهم عن سبيل مناهجه، وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه، وجعلهم مسالك لمعرفته، ومعالم لدينه، وحجّابا بينه وبين خلقه، والباب المؤدي إلى معرفة حقه، وأطلعهم على المكنون من غيب سره. كلّما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماما بيّنا، وهاديا نيّرا، وإماما قيّما، يهدون بالحق وبه يعدلون (١).والجدير بالذكر أن التفريق بين الشريعة والحقيقة، وبين الظاهر والباطن من خواص التشيع إلا أنه لا توجد طائفة شيعية إلا وتؤمن بذلك، وكتب الفرق والكلام شاهدة على هذا، بل أنهم لم يختلفوا فيما بينهم في تعيين الإمام إلا بناء على هذا المبدأ، حيث أنهم اختلفوا: (إلى من أفضى الإمام الراحل أسرار العلوم واطلاعه على مناهج تطبيق الآفاق على الأنفس، وتقدير التنزيل على التأويل، وتصوير الظاهر على الباطن، لأنهم كلهم مؤمنون بأن لكل ظاهر باطنا، ولكل شخص روحا، ولكل تنزيل تأويلا، ولكل مثال حقيقة في هذا العالم (٢).

فحاصل ما قلناه أن تقسيم الشريعة والعلوم إلى الظاهر والباطن من أهم الميزات التي تتميّز بها الشيعة بفرقها عن الآخرين من المسلمين، وهم الذين تقوّلوا بها متأثرين باليهودية التي استقوا منها أفكارهم، بوساطة عبد الله بن سبأ اليهودي، المؤسس الحقيقي الأول لديانتهم ومذهبهم.

ثم أخذ المتصوفة بدورهم أفكار الشيعة ومعتقداتهم، فآمنوا بها واعتقدوها، وجعلوها من الأصول والقواعد لعصابتهم، فقالوا مثل ما قاله الشيعة والفرق الباطنية:

(العلوم ثلاثة: ظاهر، وباطن، وباطن الباطن، كما أن الإنسان له ظاهر، وباطن، وباطن الباطن. فعلم الشريعة ظاهر، وعلم الطريقة باطن، وعلم الحقيقة باطن الباطن (٣).

وقال الطوسي أبو نصر السراج: (إن العلم ظاهر وباطن ... ولا يستغني الظاهر عن الباطن، ولا الباطن عن الظاهر، وقد قال الله عز وجل: ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم: فالمستنبط هو العلم الباطن، وهو علم أهل التصوف، لأن لهم مستنبطات من القرآن والحديث وغير ذلك ... فالعلم ظاهر وباطن، والقرآن ظاهر وباطن، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر وباطن، والإسلام ظاهر وباطن (٤).

وذكر المتصوفة نفس تلك الرواية التي نقلها الشيعة والإسماعيلية، وهي: (لكل آية ظاهر وباطن، وحدّ ومطلع (٥).

ولم يكن التشابه والتوافق مع الشيعة، والاستفادة والاقتباس منهم منحصرا في هذا فحسب، بل كان هناك تجانس وتداخل في أكثر من هذا، حيث قالوا باختصاص علي رضي الله عنه دون الآخرين بعلم الباطن، فقال قائلهم:


(١) ((الأصول من الكافي)) خطبة الكتاب (١/ ٤).
(٢) انظر ((الملل والنحل)) للشهرستاني (١/ ٢٠١) بهامش ((الفصل)) لابن حزم.
(٣) انظر ((الفتوحات الإلهية)) لابن عجيبة (ص ٣٣٣).
(٤) كتاب ((اللمع)) للطوسي (ص ٤٣، ٤٤).
(٥) ((لطائف المنن)) لابن عطاء الله الإسكندري (ص ٢٤٨) بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود. ط مطبعة حسان القاهرة ١٩٧٤ م، أيضا ((عوارف المعارف)) للسهروردي (ص ٢٥)، أيضا ((روضة التعريف)) للسان الدين بن الخطيب (ص ٤٣١)، أيضا ((إيقاظ الهمم)) لابن عجيبة (ص ٤٦١)، ومثله في ((جمهرة الأولياء)) للمنوفي (١/ ١٦٠)، ((تفسير ابن عربي)) (١/ ٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>