للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك ما قاله ابن عربي في تفسيره مفسرا قول الله عز وجل: عَمَّ يَتَسَاءلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ [النبأ:١ - ٢]. (إنه القيامة الكبرى، ولهذا قيل: إن أمير المؤمنين علي هو النبأ العظيم، وهو فلك نوح أي الجمع والتفصيل – باعتبار الحقيقة والشريعة – لكونه جامعا لهما (١).

وعلى ذلك قال الهجويري:

(علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو ابن عم المصطفى، وغريق بحر البلاء، وحريق نار الولاء، وقدرة الأولياء والأصفياء أبو الحسن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

وله في هذه الطريقة شأن عظيم، ودرجة رفيعة. وكان له حظ تام في دقة التعبير عن أصول الحقائق إلى حدّ أن قال الجنيد رحمه الله: شيخنا في الأصول والبلاء علي المرتضى رضي الله عنه. أي أن عليا رضي الله عنه هو إمام هذه الطريقة في العلم والمعاملة، فأهل الطريقة يطلقون على علم الطريقة اسم الأصول، ويسمون تحمل البلاء فيها بالمعاملات (٢).

والطوسي قال نقلا عن أبي عليّ الروذباري أنه قال: (سمعت جنيدا رحمه الله يقول: رضوان الله على أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه، لولا أنه اشتغل بالحروب لأفادنا من علمنا هذا معاني كثيرة، ذاك امرؤ أعطى علم اللدنّي، والعلم اللدنّي هو العلم الذي خص به الخضر عليه السلام، قال الله تعالى: وعلمناه من لدنّا علما (٣).

ثم نقل عن علي رضي الله عنه أشياء وقال بعده: (ولعلي رضي الله عنه أشباه في ذلك كثير من الأحوال والأخلاق والأفعال التي يتعلق بها أرباب القلوب وأهل الإشارات وأهل المواجيد من الصوفية (٤).

فهذه العبارات كلها لم تكن مقتبسة منقولة من التشيع وبل إنها شيعية وصرفة.

وبعد هذا كله نريد أن نبيّن توغل الصوفية في علم الباطن وعلاقتهم به، وسبب التجائهم إليه، فنقول:

(إن الصوفية يقولون: إن علم الباطن المسمى بعلم القلب وبعلم التصوف، علم جليل شريف نفيس، وهو أجلّ العلوم وأشرفها، وهو الزبدة الممخوضة من الشريعة التي لم تبعث الأنبياء عليهم السلام إلا لأجلها ... وهو علم طريق الآخرة، وهو العلم الذي درج عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وهو العلم الذي لم يبعث الله الأنبياء إلا لأجله. وقد سماه الله تعالى في كتابه فقها وعلما وضياء ونورا وهدى ورشدا، وهو مستخرج من القرآن والسنة، ومدلول عليه منهما نصّا وتصريحا وتلويحا وكتابة وإشارة وغير ذلك من أصناف الدلالة. قال الغزالي: علم الباطن هو علم يقين المقربين، وثمرته الفوز برضا الله تعالى، ونيل سعادة الأبد، وبه تزكية النفس وتطهيرها، وتنوير القلب وصفاؤه بحيث ينكشف بذلك النور أمور جليلة، ويشهد أحوالا عجيبة، ويعاين ما نمت عنه بصيرة (٥).

وقالوا:

(هل ظاهر الشرع وعلم الباطن إلا كجسم فيه روح ساكن

والعلم الظاهر هو علم العبودية والعلم الباطن هو علم الربوبية) (٦).

وقالوا: (لا تجعلوا أحدا من أهل الظاهر حجة على أهل الباطن (٧).

وخلاصة هذا أن علم الباطن هو التصوف بعينه، وهو ما أشار الكلاباذي نقلا عن عبد الواحد بن زيد أنه قال:


(١) ((تفسير ابن عربي)) (٢/ ١٨٤).
(٢) ((كشف المحجوب)) للهجويري ترجمة عربية (ص ٢٧٣، ٢٧٤).
(٣) كتاب ((اللمع)) للطوسي (ص ١٧٩). ط دار الكتب الحديثة مصر.
(٤) أيضا (ص ١٨٢).
(٥) ((حياة القلوب في كيفية الوصول إلى المحبب)) لعماد الدين الأموي (١/ ٢٥٩، ٢٦١) بهامش ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي. ط دار صادر بيروت.
(٦) ((الفتوحات الإلهية)) لابن عجيبة (ص ٣٣٣).
(٧) ((قواعد التصوف).

<<  <  ج: ص:  >  >>