للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيذكر ابن عطاء الله الإسكندري في لطائفه نقلا عن بعض مشائخه أنه فسّر الآية يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا [الشورى:٤٩] الحسنات وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ [الشورى:٤٩] العلوم، وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا [الشورى:٤٩] لا علم ولا حسنة، كما مضى أيضا من قول الله عز وجل: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً [البقرة:٦٧].فقال الشيخ: بقرة كل إنسان نفسه، والله يأمرك بذبحها، وكما سيأتي إن شاء الله في تفسير الأحاديث، فذلك ليس إحالة للظاهر عن ظاهره، ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جلبت له الآية، ودلت عليه في عرف اللسان، وثمّ أفهام باطنة تفهم عند الآية والحديث، لمن فتح الله على قلبه (١).

وقال الجيلي مفسرا قول الله عز وجل: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا [الإنسان:١] يقول في تفسيره: (اتفقت العلماء على أن (هل) في هذا الموضوع بمعنى قد: يعني قد أتى الإنسان حين من الدهر، والهر هو الله، والحين تجل من تجلياته (لم يكن شيئا) يعني أن الإنسان لم يكن شيئا (مذكورا)، ولا وجود له في ذلك التجلي، لا من حيث الوجود العيني ولا من حيث العملي، لأنه لم يكن شيئا مذكورا، فلم يكن معلوما، وهذا التجلي هو أزل الحق الذي لنفسه (٢).

ثم يؤوّل الجيلي الصوم والصلاة والزكاة والحج تأويلا باطنيا محضا، كالإسماعيلية تماما، فيقول:

(وأما الصلاة فإنها عبارة عن واحدية الحق تعالى، وإقامتها إشارة إلى إقامة ناموس الواحدية بالاتصاف بسائر الأسماء والصفات، فالطهر عبارة عن الطهارة من النقائص الكونية ... وقراءة الفاتحة إشارة إلى وجود كماله في الإنسان لأن الإنسان هو فاتحة الوجود ....

وأما الزكاة فعبارة عن التزكي بإيثار الحق على الخلق ... وأما كونه واحدا في كل أربعين في العين فلأن الوجود له أربعون مرتبة، والمطلوب المرتبة الإلهية، فهي المرتبة العليا، وهي واحدة من أربعين ...

وأما الصوم فإشارة إلى الامتناع عن استعمال المقتضيات البشرية ليتصف بصفات الصمدية، فعلى قدر ما يمتنع: أي يصوم عن مقتضيات البشرية تظهر آثار الحق فيه ... وأما الحج فإشارة إلى استمرار القصد في طلب الله تعالى، والإحرام إشارة إلى ترك شهود المخلوقات ... ثم ترك حلق الرأس إشارة إلى ترك الرياسة البشرية ... ثم مكة عبارة عن المرتبة الإلهية، ثم الكعبة عبارة عن الذات، ثم الحجر الأسود عبارة عن اللطيفة الإنسانية .... (٣)

وبمثل ذلك ذكر الكلاباذي عن بعض مشائخه أنه قال:

(معنى الصلاة: التجريد عن العلائق، والتفريد بالحقائق، والعلائق ما سوى الله، والحقائق ما لله ومن الله.

وقال آخر: الصلاة وصل. قال: سمعت فارسا يقول: معنى الصوم: الغيبة عن رؤية الخلق برؤية الحق عز وجل (٤).


(١) ((لطائف المنن)) لابن عطاء الإسكندري (ص ٢٤٨) بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر السابق.
(٢) ((الإنسان الكامل)) للجيلي (ص ١٠١، ١٠٢).
(٣) ((الإنسان الكامل)) للجيلي (٢/ ١٣٤) وما بعد ملخصا.
(٤) ((التعرف لمذهب أهل التصوف)) للكلاباذي (ص ١٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>