للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسهروردي المقتول يفسر قول الله عز وجل: يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ [النور:٣٥]: أي ليست عقلية محضة، ولا غربية: أي ليست هيولانية محضة، وهي بعينها شجرة موسى التي سمع منها النداء، في البقعة المباركة من الشجرة، وقوله: ولو لم تمسسه نار: هذه النار هو الأب المقدس – روح القدس – وهو النار التي جاءت في قوله: أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ [النمل:٨] أي المتصلين بها (١).

وقال أيضا: (ألم تر أن موسى لما طلب الرؤية، قيل له: وَلَكِنِ انظُرْ إلى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي [الأعراف:١٤٣]: لأن هذا الجبل حائل دائم التحرك، شاغل للنفس. فلما تعدى السانح القدسيّ إلى معدن التخيل، قهره. كما قال الله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا [الأعراف:١٤٣]: انقطع سلطان البشرية بظهور نور الحقيقة، فاصطلمت النفس، وفنيت عن مشاهدة الكثرة بنور القيومية (٢).

وأما ابن عربي الذي قال فيه الدكتور أبو العلاء العفيفي محللاً أسلوبه التأويلي والتفسيري: (إنه يحول القرآن بمنهجه الخطير في التأويل إلى قرآن جديد (٣).وينقل الشيخ رشيد رضا المصري، عن شيخه محمد عبده رأيه في تفسيره بقوله: (وفيه من النزعات ما يتبرء منه دين الله وكتابه العزيز (٤).

يقول ابن عربي هذا في تفسير قول الله عز وجل: الم: أشار بهذه الحروف إلى كل الوجود حيث هو كل، لأن (أ) إشارة إلى ذات الله الذي هو أول الوجود ... و (ل) إلى العقل الفعال المسمى جبريل، وهو أوسط الوجود الذي يستفيض من المبدأ، ويفيض إلى المنتهي. و (م) إلى محمد الذي هو آخر الوجود تتمّ به دائرته، وتتصل بأولها، ولهذا ختم (٥).

ويقول السلمي الذي قال فيه الذهبي: (أتى السلمي في حقائقه بمصائب وتأويلات باطنية نسأل الله العافية (٦).

يقول في تفسير آلم: (الألف ألف الوحدانية، واللام لام اللطف، والميم ميم الملك، معناه من وجدنا على الحقيقة بإسقاط العلائق والأغراض تلطف له في معناه فأخرجته من رقّ العبودية إلى الملك الأعلى (٧).

وأما القشيري ففسر آلم:

(فالألف من اسم (الله)، واللام يدل على (اللطيف)، والميم يدل على اسمه (المجيد) و (الملك).

وقيل أقسم الله بهذه الحروف لشرفها لأنها بسائط أسمائه وخطابه.

وقيل إنها أسماء السور.

وقيل الألف تدل على اسم (الله) واللام تدل على اسم (جبريل) والميم تدل على اسم (محمد) صلى الله عليه وسلم، فهذا الكتاب نزل من الله على لسان جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم.

والألف من بين سائر الحروف انفردت عن أشكالها بأنها لا تتصل بحرف في الخط وسائر الحروف يتصل بها إلا حروف يسيرة، فيتنبه العبد عند تأمل هذه الصفة إلى احتياج الخلق بجملتهم إليه، واستغنائه عن الجميع.

ويقال يتذكر العبد المخلص من حال’ الألف تقدس الحق سبحانه وتعالى عن التخصص بالمكان، فإن سائر الحروف لها محل من الحلق أو الشفة أو اللسان إلى غيره من المدارج غير الألف فإنها هويته، لا تضاف إلى محل.

ويقال الإشارة منها إلى انفراد العبد لله سبحانه وتعالى فيكون كالألف لا يتصل بحرف، ولا يزول عن حالة الاستقامة والانتصاب بين يديه.


(١) ((الألواح العمادية)) لشهاب الدين السهروردي المقتول (ص ٧٢) من مجموعة الرسائل الثلاثة له. ط مركز تحقيقات فارسي إيران وباكستان.
(٢) أيضا (ص ٧٤).
(٣) ((ابن عربي في دراساتي)) للدكتور أبي العلاء العفيفي الكتاب التذكاري (ص ١٣).
(٤) انظر ((تفسير الظلال)) (١/ ١٨).
(٥) تفسير ((ابن عربي)) (١/ ٥).
(٦) ((تذكرة الحفاظ)) للذهبي (٣/ ٢٤٩). ط القاهرة.
(٧) ((تفسير السلمس)) (ص ١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>