للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقال بطالب العبد في سره عند مخاطبته بالألف بانفراد القلب إلى الله تعالى، وعند مخاطبته باللام بلين جانبه في (مراعاة) حقه، وعند سماع الميم بموافقة أمره فيما يكلفه.

ويقال اختص كل حرف بصيغة مخصوصة وانفردت الألف باستواء القامة، والتميز عن الاتصال بشيء من أضرابها من الحروف، فجعل لها صدر الكتاب إشارة إلى أن من تجرد عن الاتصال بالأمثال والأشغال حظي بالرتبة العليا، وفاز بالدرجة القصوى، وصلح للتخاطب بالحروف المنفردة التي هي غير مركبة، على سنة الأحباب في ستر الحال، وإخفاء الأمر الأجنبي من القصة – قال شاعرهم:

قلت لها قفي لنا قالت قاف لا تحسبي أنا نسينا لا يخافولم يقل وقفت ستراً على الرقيب ولم يقل لا أقف مراعاة لقلب الحبيب بل (قالت قاف (١).

ويكتب الجيلي تحت قول الله عز وجل: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:١ - ٣]: (أشار بذلك إلى حقيقة ألف لام ميم، وذلك من طريق الإجمال إشارة إلى الذات والأسماء والصفات ذَلِكَ الْكِتَابُ والكتاب الإنسان الكامل (فألف لام ميم بما أشار إليه هو حقيقة الإنسان لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الذين هم وقاية عن الحق، والحق وقاية عنهم، فإن دعوت الحق فقد كنيت به عنهم، وإن دعوتهم فقد كنيت بهم عنه الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:٣] الغيب هو الله لأنه غيبهم آمنوا به أنه هويتهم وأنهم عينه وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ [البقرة:٣] يعني يقيمون بناموس المرتبة الإلهية في وجودهم بالاتصاف بحقيقة الأسماء والصفات وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ يعني يتصرفون في الوجود من ثمرة ما أنتجته هذه الأحدية الإلهية في ذواتهم (٢).

ونقل عبد الحليم محمود عن أبي الحسن الشاذلي تفسير قول الله عز وجل على لسان موسى عليه السلام:

(هي عصاي) معرفتي بك، أعتمد عليها.

(أهش بها على غنمي) أولادي في التربية. (ولي فيها مآرب أخرى) من باب لي وقت مع ربّي لا تسعني فيه أرض ولا سماء (٣).

وفسر ابن عجيبة الآية القرآنية:

((رب أدخلني) في الأشياء حقوقا كانت أو حظوظا (مدخل صدق) أي إدخال صدق، بأن يكون ذلك الإدخال بك، معتمدا فيه على حولك وقوتك، متبرئا من حولي وقوتي ومن شهود نفسي.

(وأخرجني) منها (مخرج صدق) أي إخراج صدق، بأن أكون مأذونا فيه بإذن خاص، مصحوبا بالخشية وسر الإخلاص، وهذا معنى قوله (ليكون نظري إلى حولك وقوتك إذا أدخلتني) في الأشياء (وإنقيادي إليك إذا أخرجتني) منها.


(١) ((لطائف الإشارات)) للقشيري (١/ ٥٣، ٥٤) بتحقيق دكتور إبراهيم بسيوني الطبعة الثانية الهيئة المصرية العامة للكتاب ١٩٨١.
(٢) ((الإنسان الكامل)) للجيلي عبد الكريم (٢/ ١٣٨، ١٣٩).
(٣) ((المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي)) لعبد الحليم محمود (ص ٤٠٣). ط القاهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>