للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما ذكرها أن صبيا أمرد حكى له، قال: قال لي الصوفي وهو يجيبني: يا بنيّ، لله فيك إقبال وإلتفات، حيث جعل حاجتي إليك.

وحكى أن جماعة من الصوفية دخلوا على أحمد الغزالي وعنده أمرد، وهو خال به وبينهما ورد، وهو ينظر إلى الورد تارة، وإلى الأمرد تارة، فلما جلسوا قال بعضهم: لعلنا كدرنا، فقال: أي والله، فتصايح الجماعة على سبيل التواجد.

وحكى أبو الحسين بن يوسف أنه كتب إليه في رقعة: أنك تحب غلامك التركي، فقرأ الرقعة ثم استدعى الغلام فصعد إليه النظر فقبله بين عينية، وقال: هذا جواب الرقعة.

قال المصنف رحمه الله: قلت: إني لأعجب من فعل هذا الرجل وإلقائه جلباب الحياء عن وجهه، وإنما أعجب من البهائم الحاضرين كيف سكتوا عن الإنكار عليه، ولكن الشريعة بردت في قلوب كثير من الناس (١).

ومن الأبيات التي يستمع إليها الصوفية، ويرقصون عليها، يغنّون بها أبيات ذكر طرفا منها في كتابه:

(أتذكر وقتنا وقد اجتمعنا ... على طيب السماع إلى الصباح

ودارت بيننا كأس الأغاني ... فأسكرت النفوس بغير راح

فلم تر فيهم إلا نشاوى ... سرور والسرور هناك صاح

إذا لبّى أخو اللذات فيه ... منادي اللهو حيّ على الفلاح

ولم نملك سوى المهجات شيئا ... أرقنا لألحاظ ملاح (٢)

وأيضا قال يوسف بن الحسين:

(كل ما رأيتموني أفعله فافعلوه إلا صحبة الأحداث فإنها أفتن الفتن، ولقد عاهدت ربّي أكثر من مائة مرة أن لا أصحب حدثا، ففسخها على حسن الخدود، وقوام القدود، وغنج العيون، وما سألني الله معهم عن مصيبة، وأنشد صريح الغواني في معنى ذلك شعرا:

إن ورد الخدود والحدق النجل ... وما فى الثغور من أقحوان

واعوجاج الأصداغ في ظاهر الخد ... وما في الصدور من رمان

تركتني بين الغواني صريعا ... فلهذا أدعى صريع الغواني (٣)

فعن هؤلاء قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فكل الرسل دعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وإلى طاعتهم والإيمان بالرسل هو الأصل الثاني من أصلي الإسلام، فمن لم يؤمن بأن هذا رسول الله إلى جميع العالمين وأنه يجب على جميع الخلق متابعته، وأن الحلال ما أحله، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه فهو كافر مثل هؤلاء المنافقين، ونحوهم من يجوز الخروج عن دينه وشريعته وطاعته، إما عموما أو خصوصا ... ويعتقدون مع هذا أنهم من أولياء الله، وأن الخروج عن الشريعة المحمدية سائغ لهم، وكل هذا ضلال وباطل، وإن كان لأصحابه زهد وعبادة (٤).

وقال الحافظ ابن حزم الظاهري:

(ادّعت طائفة من الصوفية أن في أولياء الله تعالى من هو أفضل من جميع الأنبياء والرسل، وقالوا:

من بلغ الغاية القصوى من الولاية سقطت عنه الشرائع كلها من الصلاة والصيام والزكاة وغير ذلك، وحلت له المحرمات كلها من الزنا والخمر وغير ذلك، واستباحوا بهذا نساء غيرهم، وقالوا بأننا نرى الله ونكلمه، وكلما قذف في نفوسنا فهو حق. ورأيت لرجل منهم يعرف بان شمعون كلاما نصه أن لله تعالى مائة اسم، وأن الموفي مائة هو ستة وثلاثون حرفا ليس منها في حروف الهجاء شيء إلا واحد فقط، وبذلك الواحد يصل أهل المقامات إلى الحق. وقال أيضا: أخبرني بعض من رسم لمجالسة الحق أنه مدّ رجله يوما فنودي: ما هكذا مجالس الملوك، فلم يمدّ رجله بعدها. يعني أنه كان مديما لمجالسة الله تعالى (٥).


(١) انظر (ص ٢٩٨) من ((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي.
(٢) أيضا (ص ٢٩٩).
(٣) أيضا (ص ٣٠٥).
(٤) ((مجموعة الرسائل والمسائل)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص ٤٤، ٤٥).
(٥) ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) للحافظ ابن حزم (٤/ ٢٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>