للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالوا: هذا على الجملة غير مفصل، فأدّاهم ذلك بجهلهم، إلى أن طمعت نفوسهم بأن المحظور الممنوع منه المسلمون: مباح لهم، إذا لم يتعدّوا في تناوله. وإنما غلطوا في ذلك بدقيقة خفيت عليهم، من جهلهم بالأصول، وقلة حظهم من علم الشريعة، ومتابعتهم شهوات النفس في ذلك ... فظنت هذه الطائفة الضالة بالإباحة، لأن ذلك كان منهم على حال، جاز لهم ترك الحدود، أو أن يجاوزوا حد متابعة الأمر والنهي، فوقعوا من جهلهم في التيه، وتاهوا، وطلبوا ما مالت إليه نفوسهم: من اتباع الشهوات، وتناول المحظورات، تأويلا، وحيلا، وكذبا، وتمويها (١).

وذكرهم السهروردي بقوله:

(فقوم من المفتونين سمّوا أنفسهم ملامتية، ولبسوا لبسة الصوفية، لينتسبوا بها إلى الصوفية، وما هم من الصوفية بشيء، بل هم في غرور وغلط، يتسترون بلبسة الصوفية توقيتا تارة، ودعوى أخرى، وينتهجون مناهج أهل الإباحة، ويزعمون أن ضمائرهم خلصت إلى الله تعالى، ويقولون: هذا هو الظفر بالمراد، والإرتسام بمراسم الشريعة رتبة العوام، والقاصرين الأفهام المنحصرين في مضيق الاقتداء تقليدا، وهذا هو عين الإلحاد والزندقة والإبعاد، فكل حقيقة ردّتها الشريعة فهي زندقة، وجهل هؤلاء المغرورون أن الشريعة حق العبودية، والحقيقة هي حقيقة العبودية، ومن صار من أهل الحقيقة تقيد بحقوق العبودية وصار مطالبا بأمور وزيادات لا يطالب بها من لم يصل إلى ذلك، لا أنه يخلع عن عنقه ربقة التكليف، ويخامر باطنه الزيغ والتحريف .... ومن جملة أولئك قوم يقولون بالحلول ويزعمون أن الله تعالى يحل فيهم ويحل في أجسام يصطفيها، ويسبق لأفهامهم معنى من قول النصارى في اللاهوت والناسوت. ومنهم من يستبيح النظر إلى المستحسنات إشارة إلى هذا الوهم (٢).

وهؤلاء الذين ذكرهم ابن الجوزي بقوله:

(أعلم أن أكثر الصوفية المتصوفة قد سدوا على أنفسهم باب النظر إلى النساء الأجانب لبعدهم عن مصاحبتهن وامتناعهم عن مخالطتهن، واشتغلوا بالتعبد عن النكاح، واتفقت صحبة الأحداث لهم على وجه الإرادة وقصد الزهادة، فأمالهم إبليس إليهم، واعلم أن المتصوفة في صحبة الأحداث على سبعة أقسام:

القسم الأول: أخبث القوم وهم أناس تشبهوا بالصوفية ويقولون بالحلول.

أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان، نا أبو علي الحسين بن محمد بن الفضل الكرماني، نا سهل بن علي الخشاب، نا أبو نصر عبد الله بن السراج، قال: بلغني أن جماعة من الحلولية زعموا أن الحق تعالى اصطفى أجساما حل فيها بمعاني الربوبية. ومنهم من قال: هو حال في المستحسنات. وذكر أبو عبد الله بن حامد من أصحابنا أن طائفة من الصوفية قالوا: أنهم يرون الله عز وجل في الدنيا، وأجازوا أن يكون في صفة الآدمي ولم يأبوا كونه حالا في الصورة الحسنة حتى استشهدوه في رؤيتهم الغلام الأسود.

القسم الثاني: قوم يتشبهون بالصوفية في ملبسهم ويقصدون الفسق.

القسم الثالث: قوم يستبيحون النظر إلى المستحسن. وقد صنف أبو عبد الرحمن السلمي كتابا سماه (سنن الصوفية) فقال في أواخر الكتاب: باب في جوامع رخصهم، فذكر فيه الرقص والغناء والنظر إلى الوجه الحسن. وذكر فيه ما روى عن النبي عليه السلام أنه قال: أطلبوا الخير عند حسان الوجوه. وأنه قال: ثلاثة تجلو البصر: النظر إلى خضرة، والنظر إلى ماء، والنظر إلى الوجه الحسن (٣).

ثم حكى حكايات كثيرة عن هؤلاء المتصوفة، تدل على فسقهم وفجورهم.


(١) كتاب ((اللمع)) للطوسي (ص ٥٣٨، ٥٣٩).
(٢) ((عوارف المعارف)) للسهروردي (ص ٧٨، ٧٩).
(٣) ((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (ص ٢٩٥، ٢٩٦). ط دار الوعي العربي بيروت لبنان.

<<  <  ج: ص:  >  >>