للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال الحاكم للمريد: أتسمع ما يقول؟ فقال: صدق، قد فعلت ذلك، كان مستحضرا للعهد الذي فارق الشيخ عليه، فلم يقدر على الجحود والنكران، فلما سمع منه الحاكم ما سمع، قال: هذا أحمق، اذهبوا به إلى المارستان، فإن العاقل لا يقرّ على نفسه بما يعود عليه بالضرر، فدخل المارستان، ثم جاء من رغب الحاكم، وشفع فيه فسرّحوه (١).

وأحد كبار القوم و (شهيد التصوف الإمام الأجل نجم الملة والدين قطب الإسلام والمسلمين، برهان السنة، محيي الحق نجم الدين الكبري) يخبر عن فسقه وفجوره بأسلوب صوفي: فيقول:

(عشقت واحدا ببلاد المغرب فسلطت عليه الهمة فأخذته وربطته ومنعته عن سواي، إلا أنه كان عليه رقباء، فسكت عن صريح المقال، وجعل يكلمني بلسان الحال، فأهمه وأكلمه كذلك فيفهمه، وانتهي الأمر إلى أن صرت أنا هو، وهو أنا، ووقع العشق إلى محض صفاء الروح، فجاءتني روحه سحرا تمرّغ وجهها في التراب وتقول: أيها الشيخ الأمان، الأمان، قتلتني أدركني، فقلت: ماذا تريد؟ قالت: أريد أن تدعني حتى أقبل قدمك، فأذنت لها، ففعلت ورفعت وجهها، فقبلتها حتى استراحت واطمأنت إلى صدري (٢).

وما دمنا تطرقنا إلى هذا الموضوع فإننا نقول: إن جماعة من الصوفية ولو أنهم تظاهروا بالصلاح والتقوى لم يستطيعوا أن يخفوا ويكتموا عشقهم وفسقهم، وشهدوا عليهم بعدم مبالاة الشرع وأحكامه، والتطرق إلى المنكرات والمحظورات. فهذا هو الشيخ الأكبر للصوفية محيي الدين بن عربي يرفع الستار عن شخصه وكنهه، مثلما شهد تلميذه نجم الدين الكبري على نفسه، فيقول شارحا لديوانه (ترجمان الأشواق) الذي فضحه هو وعشقه ببنت أحد مشائخ مكة، وتشبيبه وغزله فيها، وقد كثر الكلام والغمز واللمز فيه (وأحدث هذا الشعر دويا وأقاويل حوله مما جعل بدل الحبشي وإسماعيل بن سودقين يطلبان إليه شرح هذا الديوان (٣).

فأراد أن يغطي ما قاله فيها من الغزل الركيك المتندح عشقا وحبا وجذبا وشوقا إلى تلك الحسناء المكية بغطاء صوفي بدهاء ومكر، فما استطاع إلا إظهار ما كان خافيا من قبل أكثر بكثير.


(١) ((الإبريز)) للدباغ (ص ٤٣). ط مصر.
(٢) ((فوائح الجمال وفواتح الجلال)) لنجم الدين الكبري (ص ٦٤، ٦٥). ط ألمانيا.
(٣) ((مقدمة ذخائر الأعلاق)) لمحمد عبد الرحمن الكروي ص (و) ط مطبعة السعادة مصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>