للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا من جانب، ومن جانب آخر يذكر الشعراني صوفيا آخر صاحب كشف، فيقول: (سيدي شريف رضي الله عنه ورحمه كان يأكل في نهار رمضان، ويقول أنا معتوق، أعتقني ربي (١).ومثل هذا يذكرون عن أبي يزيد البسطامي أنه (أخرج من كمّه رغيفا، وأخذ في أكله في المدينة، وكان هذا في شهر رمضان (٢).

وينقلون عن الشبلي أنه كان يقول: (يا ويلاه، إن صليت جحدت، وإن لم أصلّ كفرت (٣).

والقصص والحكايات مثل هذه كثيرة جدا لا تعدّ ولا تحصى، تدل على رفع التكاليف وإسقاط الشريعة، وقد نورد بعضا منها في محله في الجزء الثاني من هذا الكتاب إن شاء الله.

وهناك عقائد وآراء وأفكار أخرى عديدة، فيها تشابه كامل وتوافق تام مع الشيعة، تدل على أنها مأخوذة مقتبسة منهم، ولكننا نكتفي بهذا القدر منها، لجلاء الموضوع ووضوح المبحث، بعد ما أثبتناها من كتب الفريقين، المعتمدة الموثوقة، وبسرد ألفاظهم وعباراتهم، ومع تأييد الشيعة، وتوثيق السنة، وشهادة الآخرين من اليهود والنصارى من المستشرقين.

فإن الشيعي الإيراني المعاصر قد صرّح في كتابه:

(تذهب جماعة إلى أن التصوف ليس إلا رد فعل أوجده الفتح العربي الإسلامي في نفوس العنصر الآري الإيراني، وخلاصة قولهم أن الإيرانيين بعدما غلبوا على أمرهم بسيوف العرب في مواقع القادسية وجلولاء وحلوان ونهاوند، أدركوا أنهم فقدوا إستقلالهم وأضاعوامجدهم، ثم إنهم اعتنقوا الديانة الإسلامية، ولكن العرب الذين كان الإيرانيون ينظرون إليهم منذ القدم بنظرة غير راضية لم يستطيعوا أن يغيروا رغم إنتصاراتهم مجرى التفكير الإيراني، وأن يجعلوهم مشاركين لهم في أسلوب تفكيرهم وإتجاهاتهم وميولهم وسليقتهم ومنطقهم وكذلك في آمالهم وأمانيهم وغاياتهم الروحية المثالية لأن التباين الشكلي والمعنوي أي الفروق العنصرية والإختلاف في أسلوب المعيشة والأوضاع الإجتماعية بين هاتين الأمتين كان شديدا للغاية. وبناء على ذلك بعدما إنتهت المعارك الحربية باندحار الإيرانيين بأسلوب المساجلات الفكرية التي كان لها أثر بالغ في التاريخ الأدبي والمذهبي والإجتماعي والسياسي للعرب والإسلام. ومن أهم تلك الإنعكاسات التي ترتبت على تلك الإنفعالات الفكرية التشيع أولا والتصوف ثانيا. وينبغي أن نضيف إلى هذه الملاحظة أن الغرض من ذ كر الإنفعالات في هذا الباب ليس القول بأن الإيرانيين أقدموا على هذا العمل اختاروا أو تعمدوا وقد تأتت في أكثر الظروف بحكم الإنفعالات النفسية وبتأثير العواطف والأحاسيس الخفية بصورة ثابتة كما يرى علماء النفس، أي من غير أن يعرف الناس أنفسهم غالبا السبب الحقيقي أو يستطيعوا تحليل أفكارهم وأحاسيسهم إنساقت أفكارهم إلى أمثال هذه الإنفعالات العكسية (٤).

وأما الشيعي العراقي فقد كتب كتابا مستقلا لإثبات تأثر التصوف بالتشيع، واستفادة الصوفية من الشيعة، وأخذهم عنهم، فيقول:

(وينبغي أن نذكر الدور الذي قام به الفرس من إخالهم مثلهم الدينية في التشيع الغالي الأول حين نصروا المختار، وعاضدوا حركة الغلو العجلية، وانضموا إلى حركة أبي هاشم، وانضافوا إلى الحركة السرية العباسية التي ورثت حركة أبي هاشم، حتى أدى بهم الأمر إلى تأليه أبي مسلم الخراساني، كما فعلوا مع أئمة الشيعة من العلويين. يضاف إلى ذلك أنهم نصروا حركة عبد الله بن معاوية في فارس أيضا، وأسبغوا عليه النور الإلهي الذي سنجده في التصوف واضحا جليا. وهذا كله يعني أن الفرس قد بدأوا إضافة القداسة إلى البيت النبوي بإعتبارها أساسا موازيا لأسسهم السياسية والدينية السابقة من تأليههم الملوك، وقولهم بالنور الذي ينتقل من ملك إلى آخر، فثبتت الولاية لعليّ بن أبي طالب على نحو مبالغ فيه، وأنتقلت هذه الولاية المقدسة مع زيادات وإضافات وحواش إلى الأئمة من بعده حتى بلغ الأمر حدّ التأليه (٥).

وأما السنة فلقد نقلنا فيما سبق رأي شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن خلدون وغيرهما في ذلك الخصوص، كما ذكرنا أيضا رأي المستشرق الإنجليزي المشهور المتعاطف مع التصوف والصوفية – وهو نيكلسون – وبمثل ما قاله قال جولد زيهر (٦).

وأخيرا نختم كلامنا في هذا الخصوص على مقولة المستشرق براون ( B OWN) المشهورة: (إن التشيع والتصوف كانا من الأسلحة التي حارب بها الفرس العرب (٧).

المصدر: التصوف المنشأ والمصادر لإحسان إلهي ظهير


(١) ((طبقات الشعراني)) (٢/ ١٥١).
(٢) ((كشف المحجوب)) للهجويري ترجمة عربية (ص ٢٦٢).
(٣) ((التعرف)) للكلاباذي (ص ١٦٣).
(٤) ((تاريخ التصوف في الإسلام)) للدكتور قاسم غني الإيراني ترجمة عربية لصادق نشأت (ص ١٤). ط مكتبة النهضة المصرية ١٩٧٠ م.
(٥) ((الصلة بين التصوف والتشيع)) للدكتور كامل مصطفى الشيبي (١/ ٣٧٢). ط دار الأندلس بيروت.
(٦) انظر ((العقيدة والشريعة في الإسلام)) لجولد زيهر (ص ١٣٩) وما بعد.
(٧) Brown: A Literary History Of Persia Vol. ١ P ٤١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>