للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حار أرباب الهوى في الهوى وأرتكبوافصاحت وقالت: ياعجباً كيف يبقى للمشغوف فضلة يحاربها، والهوى شأنه التعميم. يخدر الحواس ويذهب العقول ويدهش الخواطر ويذهب بصاحبه في الذاهبين فأين الحيرة وما هنا باق فيحار والطريق لسان صدق والتجوز من مثلك غير لائق. فقلت: يابنت الخالة ما أسمك؟ قالت: قرة العين. فقلت: لي. ثم سلمت وانصرفت. ثم إني عرفتها بعد ذلك وعاشرتها فرأيت عندها من لطائف المعارف الأربع ما لا يصفه واصف (١).

ولا أدري كيف يستسيغ المدافعون عن ابن عربي أن يبرئوه من هذه الشهادة التي شهد بها على نفسه، وأن يخلصوه من ذلك المأزق الذي أوقع نفسه بنفسه فيه، وهل يبيح أحد هؤلاء المدافعين عنه أن يذكره أحد – لا سمح الله – هكذا بإسمه، ثم يذكر كريمته ويتسبب فيها ويتغزل كما تغزل وتشبب شيخهم الأكبر في كريمة ذلك الشيخ المكي، فكيف يرضون لغيرهم ما لا يرضون لأنفسهم؟

وما دمنا بدأنا بذكر الإعترافات نورد ههنا اعترافا آخر من أحد مشائخ القوم يدل على سيرتهم وعلى سريرتهم أيضا، وهو أن أحمد بن المبارك راوية عبد العزيز الدباغ يذكر أن كاتبه عبد الله بن علي وأخاه عبد الرحمن صعدا يوما على سطح مدرسة العطارين، ثم ماذا حدث؟

إسمع عنهما، ما يقولان:

(فرأينا على سطوح الدور نسوة مجتمعات ومتفرقات، فجعلنا ننظر إليهن ونتذاكر أمرهن فيما بيننا، نضحك أحيانا، ثم وثب أحدنا مرة إلى الهواء من قوة ما غلب علينا من المزاح.

فلما قدمنا دار الشيخ رضي الله عنه وجلسنا في الصقلابية المعروفة جعل رضي الله عنه يضحك ضحكا كثيرا. ويقول: ما أملح الشيخ الذي لا يكاشف، ثم قال: أين كنتما؟ أصدقاني، ولا تكذبا عليّ. فذكرنا له الأمر الذي كان. فجعل رضي الله عنه يذكر لنا أمر النسوة ومكانتهن في السطوح كأنه حاضر معنا، وذكر لنا أيضا الوثبة المتقدمة من غير أن نذكرها له، فذكر لنا رضي الله عنه أنه كان حينئذ جالسا مع بعض من قصده للزيارة فلم يشعروا به حتى تفرقع بالضحك، وذلك حين شاهد تلك الوثبة فظن من حضر أنه كان يضحك عليه (٢).

هذا وإن هناك صوفيا كبيرا من شبه القارة الهندية الباكستانية لا زال مشهده قائما يزار ويقام عليه العرس سنويا، ولعله من أكبر الأعراس في باكستان، وهو مشهد الصوفي المشهور بمادهو لعل حسين.

وأن أصحاب السير والطبقات ذكروا في ترجمته أنه كان من أولياء الله ومستجاب الدعوات، وما كان يطلب شيئا من الربّ إلا لبى طلبه، فكان حافظا للقرآن وعالما فقيها، ويوما من الأيام كان يدرس عند شيخه سعد الله تفسير مدارك التنزيل، فلما بلغ إلى قوله عز وجل: إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ [محمد:٣٦] طرأ عليه الوجد، وبدأ يرقص ويقول: ما دام أن الحياة لهو ولعب فلماذا لا نلهو ونلعب؟

فأخذ كتبه ورماها في البئر، وحلق لحيته وشواربه، وأخذ كأس الخمر، وبدأ يرقص في الشوارع والأسواق، كما بدا يرتاد بيوت المومسات، ويقضي أوقاته فيها، إلى أن وقع نظره على أمرد هندوكي جميل، فوله به وكلف، وعشقه، وما زال يطوف حول بيته ست عشرة سنة حتى أوقعه في حباله وفخه، وجعل إسمه جزء من اسمه، فصار مادهو لعل الحسين، بعد أن كان حسينا فقط، وبعد وفاته صار مزاره مهبط الأنوار، ومحط البركات، مثل ما كان هو في حياته (٣).


(١) ((ذخائر الأعلاق)) لابن عربي (ص ٧، ٨).
(٢) ((الإبريز)) لعبد العزيز الدباغ (ص ٢٧).
(٣) انظر ((تذكرة أولياء الباكستان والهند)) للدكتور ظهور الحسن شارب (٢/ ٢٥٩) وما بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>