للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبما أن الدين قد كمل وتم فلا يحتاج إلى ترقيع عن طريق الكشوفات المزعومة كما قال الله سبحانه في كتابه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة: ٣]. وهذه من أكبر النعم على هذه الأمة حيث أكمل لها دينها فلا تحتاج إلى دين غيره فلا حلال إلا ما أحله الله ولا حرام إلا ما حرمه الله ولا دين إلا ما شرعه الله وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لقوله تعالى مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم:٣ - ٤].وقد أخرج الطبري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أَكْمَلْتُ لَكُمْ وهو الإسلام قال: أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا وقد أتمه الله عز ذكره فلا ينقصه أبدا وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدا) (١).

ويقول سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية: " أعلن لهم إكمال العقيدة وإكمال الشريعة معا فهذا هو الدين ولم يعد للمؤمن أن يتصور أن بهذا الدين نقصا يستدعي الإكمال ولا قصورا يستدعي الإضافة ولا محلية أو زمانية تستدعي التطور أو التحوير" (٢).

وبما أن الدين قد كمل والحمد لله فالعلوم التي يزعم المتصوفة بأنهم يتلقونها عن الله لا قيمة لها في ميزان الشرع لأنها أوهام وخيالات وكذب ودجل فقط. وإليك قول المعلمي فإنه مفيد في هذا المجال قال رحمه الله: "والشرع يقضي بأن الكشف ليس مما يصلح الاستناد إليه في الدين ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لم يبق من النبوة إلا المبشرات قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة)) (٣).

ثم قال المعلمي:

" وفيه حجة على أنه لم يبق مما يناسب الوحي إلا الرؤيا اللهم إلا أن يكون بقي ما هو دون الرؤيا فلم يعتد به فدل ذلك أن التحديث والإلهام والفراسة والكهانة والكشف كلها دون الرؤيا ... "

ثم قال المعلمي:

"إن التحديث والإلهام من إلقاء الملك في الخاطر والكهانة من إلقاء الشياطين والكشف قوة طبيعية كما يسمى في هذا العصر قراءة الأفكار .. " ثم قال: " وقد اتفق أهل العلم على أن الرؤيا لا تصلح للحجة إنما هي تبشير وتنبيه وتصلح للاستئناس بها إذا وافقت حجة شرعية صحيحة كما ثبت عن ابن عباس".

ثم قال: " هذه حال الرؤيا فقس عليه حال الكشف إن كان في معناها فأما إن كان دونها فالأمر أوضح وتجد في كلام المتصوفة أن الكشف قد يكون حقا يكون من الشيطان وقد يكون تخير موافقا لحديث النفس ... "

ثم يقول المعلمي: "فالكشف إذا تبع الهوى فغلايته أن يؤدي الهوى ويرسخه في النفوس ويحول بين صاحبه وبين الاعتبار والاستبصار فكأن الساعي في أن يحصل له الكشف إنما يسعى في أن يضله الله عز وجل ولا ريب أن من التمس الهدى من غير الصراط المستقيم مستحق أن يضله الله عز وجل وما يزعمه بعض غلاتهم من أن لهم علامات يميزون بها بين ما هو حق من الكشف وما هو باطل دعوى فارغة.

فأما ما عرف عن المتصوفة من تحريف النصوص ربما أشنع وأفظع من تحريف الباطنية فهذا لا يشهد لكشفهم بل يشهد عليه أوضح شهادة بأنه من أبطل الباطل وذلك لأمور:

الأول: لأن النصوص بدلالتها المعروفة حجة فإذا شهدت ببطلان قولهم علم أنه باطل.

ثانيا: لأنهم يعترفون أن الكشف محتاج إلى شهادة الشرع فإن قبلوا من الكشف تأويل الشرع فالكشف شهد لنفسه فمن يشهد له على تأويله. وأما التحديث والإلهام ففي صحيح البخاري وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال ((لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يكن في أمتي فإنه عمر)) (٤).

وجاء في عدة روايات تفسير التحديث بالإلهام. وهذه سيرة عمر بين أيدينا لم يعرف عنه ولا عن أحد من أئمة الصحابة وعلمائهم أنهم استدلوا بالتحديث والإلهام في القضايا الدينية بل كان يخفى عليهم الحكم فيسألون عنه فيخبرهم إنسان بخبر عن النبي فيصيرون إليه" (٥).

المصدر:مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية لإدريس محمود إدريس – ١/ ٨٣


(١) ((تفسير ابن جرير الطبري)) (٩/ ٥١٨).
(٢) ((في ظلال القرآن)) لسيد قطب (٢/ ٨٤٣).
(٣) رواه البخاري (٦٩٩٠)
(٤) رواه البخاري (٣٦٨٩) ومسلم (٢٣٩٨)
(٥) ((القائد إلى تصحيح العقائد)) للمعلمي (ص٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>