للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أيضا: " ولو كان علماء الرسوم ينصفون لاعتبروا بما في نفوسهم إذا نظروا في الآية بالعين الظاهرة التي يسلمون بها فيما بينهم فيرون أنهم يتفاضلون في ذلك ويعلو بعضهم في كلام على معنى تلك الآية ويقر القاصر بفضل غير القاصر وكلهم في مجرى واحد. ومع هذا الفضل المشهود لهم فيما بينهم في ذلك ينكرون على أهل الله إذا جاءوا بشيء مما يغمض عن إدراكه وذلك لأنهم يعتقدون فيهم أنهم ليسوا بعلماء وأن العلم لا يحصل إلا بالتعلم المعتاد في العرف وصدقوا فإن أصحابنا ما حصل لهم العلم إلا بالتعلم وهو الإعلام الرحماني الرباني" (١).وقال أيضا: " فلما رأى أهل الله أن الله قد جعل الدولة في الحياة الدنيا لأهل الظاهر من علماء الرسوم وأعطاهم التحكم في الخلق بما يفتون به وألحقهم بالذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون وهم في أفكارهم عن أهل الله يحسبون أنهم يحسنون صنعا. سلم أهل الله لهم أحوالهم لأنهم علموا من أين تكلموا وصانوا عنهم أنفسهم لتسميتهم الحقائق إشارات فإن علماء الرسوم لا ينكرون الإشارات" (٢).

وهكذا زعماء التصوف الدجاجلة استهزءوا بعلماء الإسلام ووصفوهم بأوصاف لا تليق أن يوصف بها إنسان جأهل بل إنسان كافر فضلا عن العلماء الربانيين فماذا ترك ابن عربي من التشويه بعد ما تقدم لعلماء الأمة الإسلامية الذين تفتخر بهم الأمة الإسلامية وإذا بحثنا عن السبب الذي دفع زعماء التصوف للقيام بهذه الحملة ضد علماء الأمة الإسلامية فإننا سنجد بأن الدافع الأساسي لهم على هذا هو تنفير الناس العوام من هؤلاء العلماء حتى لا يأتوا إليهم ويتعلموا منهم ويعرفوا الحق من الباطل فتتعطل مصالح المتصوفة الاقتصادية التي يحصلون عليها من قبل جهلاء الأمة الإسلامية وبالإضافة إلى ذلك فإن زعماء المتصوفة يستخدمون الجهلة من المسلمين الذين انخرطوا في إحدى هذه الطرق الصوفية كالعبيد في مصالحهم الشخصية.

وفي ختام هذا المبحث أقول إن زعم المتصوفة بأن هم يتلقون علوما خاصة بهم من الله مباشرة كذب محض لا أساس له من الصحة لأن الله عز وجل يقول:

وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِ لا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [الشورى: ٥١].

وبما أن زعماء الطرق الصوفية ليسوا بأنبياء ولا رسل تصبح دعوى تلقيهم العلم عن الله عارية عن الصحة إذا نقول لا كشف لهم ولا إلهام لهم من الله يأتون عن طريقه بعلوم تخالف العلوم التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله قد ختم النبوة به كما قال سبحانه مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب: ٤٠]

ولذا نقول فكل من يدعي تلقي العلم عن الله تعالى إنما هو محادد لله ولرسوله لأن الله أخبر في كتابه بأن النبوة قد ختمت وكذلك أخبر الرسول في سنته بأنه آخر النبيين فدعوى الصوفية بأنهم يتلقون العلم عن الله دعوى فارغة عارية عن الصحة وإنما هي محض دل وافتراء فقط لإيهام العوام والتلبيس عليهم.


(١) ((الفتوحات المكية)) لابن عربي (٢/ ١٧٦).
(٢) ((الفتوحات المكية)) لابن عربي (٢/ ٢٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>