للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" إن القوم يرجعون بسند طريقهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث أن جبريل عليه السلام نزل بالشريعة أولا فلما تقررت ظواهر الشريعة واستقرت نزل إليه بالحقيقة المقصودة والحكمة المرجوة ... من أعمال الشريعة فخص الرسول صلى الله عليه وسلم بباطن الشريعة بعض أصحابه دون البعض" ثم قال في نفس الصفحة: " وأول من أظهر علم القوم وتكلم فيه سيدنا علي وذكر السلسلة الصوفية في تلقي العلوم اللدنية إلى أن وصل إلى الجنيد الذي قال عنه أنه صحب الشافعي في علوم الظاهر ثم صحب وأخذ عن خاله السريسقطي علوم الباطن وعن الجنيد أخذ المحاسبي ثم انتشر هذا الطريق انتشارا لا ينقطع حتى ينقطع عمر الدنيا" (١).وقد ذكر ابن عجيبة في " الفتوحات الإلهية شرح المباحث الأصلية" شرح الحديث المكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم والذي هو: ((إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله فإذا نطقوا به لا ينكره إلا أهل الغرة بالله)) (٢) ثم ذكر في نفس الكتاب شرح هذا الحديث المكذوب فقال:"قال بعضهم في شرح هذا الحديث هي أسرار الله يبديها الله إلى أمناء أوليائه وسادات النبلاء من غير سماع ولا دراسة وهي من الأسرار التي لم يطلع عليها إلا الخواص فإذا سمعها العوام أنكروها ومن جهل شيئا عاداه" (٣).

وينبغي أن نتذكر جيدا بأن المتصوفة يقصدون بكلمة العوام علماء الأمة الإسلامية من محدثين ومفسرين وفقهاء.

فمن النصوص المتقدمة نخرج بالنتائج الآتية:

أولا: أثبتنا بأن المتصوفة يقولون بأن هناك حقيقة تختلف عن الشريعة ومع هذا فإننا نلاحظ أيضا بأن البعض منهم قالوا إنها نزلت على الرسول بعد استكمال الشرعية.

والبعض الآخر قال: إنها أسرار الله يبديها الله لأوليائه.

وكلا القولين تترتب عليهما أمورا خطيرة.

فالقول بأن الرسول خص بعلم الحقيقة جزءا أو بعضا من أصحابه دون البعض فيه اتهام للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه كتم العلم وهذا يعتبر جناية كبرى وكفرا بواحا فإن من العقيدة التي يجب أن يعتقدها المسلم تجاه الأنبياء التبليغ الكامل بكل الأشياء التي أمرهم الله بتبليغها وقد أمر الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يبلغ كل ما أنزل الله إليه وبالفعل قام الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغ الأمانة كاملة فلم يكتم منها شيئا بل بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. فكون المنوفي يقول بأن الرسول خص بعض أصحابه ببعض العلوم كذب صراح ودعوى عارية عن الدليل لأنه لا يستطيع أن يأتي بدليل واحد من كتاب الله أو سنة رسول الله يؤيد قوله إذا الرجل ارتكب جرائم عديدة بإيراده هذا الكلام.

فأولا: الرجل وقع في جريمة الكذب وهي تعتبر من الجرائم الكبيرة عند عوام المسلمين فكيف بمن نصب نفسه للتأليف.


(١) ((جمهرة الأوليا)) للمنوي (١/ ١٥٩).
(٢) قال ابن تيمية في ((درء التعارض)) (٥/ ٨٥) ليس له إسناد صحيح، وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (١/ ٣٩) إسناده ضعيف، وقال الألباني في ((الضعيفة)) (٨٧٠) ضعيف جدا
(٣) ((الفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية)) لابن عجيبة على هامش ((إيقاظ الهمم في شرح الحكم)) لابن عجيبة على هامش (١/ ٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>