للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: يعتبر تصريح المنوفي بأن الرسول خص بعض أصحابه بعلم دون البعض اتهام للرسول بكتمان ما أنزل الله مع أن الله أمره بتبليغ ما أنزل إليه ونحن نعتقد اعتقادا جازما بأن الرسول بلغ ما أنزل إليه من ربه ومن هنا نستطيع أن نقول بأن دعاء المنوفي بأن جبريل نزل بالشريعة أولا ثم بالحقيقة وأن الرسول خص بها بعض اصحابه دعوى كاذبة خالية عن الدليل والبرهان. بل إن عليا رضي الله عنه قد نفى تخصيص الرسول لهم بعلم خاص فقد روى الإمام البخاري في صحيحه أن أبا جحيفة قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ فقال: لا إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مؤمن بكافر (١).

ففي هذا الأثر ينفي علي رضي الله عنه أن يكون خص رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بيته بشيء وكتمه عن غيرهم وأنه ليس عندهم علم مكتوب أو غير مكتوب إلا كتاب الله أو فهم أي علم وهو أثر الفهم والاجتهاد وفي الصحيفة فليس عندهم إلا ما عند الناس والله سبحانه يختص بقوة الفهم من يشاء وهذا الأثر يعتبر أقوى دليلا على بطلان مزاعم الصوفية الذين ادعوا بأن الرسول خص عليا وأهل بيته وبعضا من الصحابة بعمل خاص لأن عليا رضي الله عنه قد نفى هذا الزعم الصوفي والحمد لله فالقوم ليس لهم أي دليل يستندون عليه لإثبات هذه الدعوى وما دام ليس لهم أي مستند فدعواهم بأن هناك حقيقة تختلف عن الشريعة دعوى باطلة لأنه لا يمكن الإنسان أن يدعي دعوة لا أساس لها فيحاول فرضها على الناس عن طريق الكذب والدجل.

أما الحديث الذي أورده المتصوفة لإثبات بأن هناك علوما مخزونة عند الله وأن هذه العلوم هي عبارة عن أسرار الله لا يبديها الله إلا لأوليائه. أولا: الحديث مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم اخترعه المتصوفة لإثبات دعواهم بأن الأولياء تنزل عليهم علوم من الله غير العلوم التي نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم ونحن نقول للمتصوفة إن الدعاوى لا يمكن أن تثبت عن طريق الكذب وإنما تثبت الدعاوى عن طريق الأدلة القوية الصحيحة أما اختراع الأحاديث ونسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا غير جائز شرعا كيف وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) (٢).

وادعاء تلقي العلوم عن الله سبحانه وتعالى يلزم منه بأن النبوة لم تختم لأن التلقي للعلوم عن الله لا يكون إلا عن طريق الوحي ويلزم منه أيضا القول بأن هناك طريقا آخر غير الطريق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يغني عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا فيه مخالفة صريحة للنصوص فقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه بأن النبوة قد ختمت فقال تعالى مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب: ٤٠].وفي الحديث فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا نبي بعدي)) (٣).

وعلى هذا فالنبوة قد ختمت وبختم النبوة الوحي قد انقطع فدعوى الصوفية بأن هناك علما يلقيه الله على قلوبهم ويطلبون الهداية عن طريقه وأنه من الممكن أن يستغنوا به عن علم الشريعة فيه خطورة عظيمة عليهم فليرجعوا عنه وإلا يعتبرون منكرين شيئا معلوما من الدين بالضرورة فكل المسلمين مجمعون بأن النبوة قد ختمت وأن الوحي قد انقطع وأنه لا توجد علوما يمكن أن تزكي النفس وتطهرها إلا علم الكتاب والسنة اللذين جاء بهما الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله.


(١) رواه البخاري (١١١).
(٢) رواه البخاري (١٢٩١) ومسلم (٣).
(٣) رواه البخاري (٣٤٥٥) ومسلم (١٨٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>