للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحتى يتضح لنا مقصود الصوفية بمصطلح الحقيقة والشريعة إليك بعض النصوص من بطون كتبهم.

فقد قال القشيري في معرض حديثه لإيضاح معنى الحقيقة والشريعة في " الفكر الصوفي":

"الشريعة أمر بالتزام العبودية والحقيقة مشاهدة الربوبية"ثم قال: "فالشريعة أن تعبده والحقيقة أن تشهده والشرعية قيام بما أمر والحقيقة شهود لما قضى وقدر وأخفى وأظهر" (١).

فكلام القشيري السابق واضح جدا بأن الصوفية يعنون بالحقيقة خلاف الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم وأنهم يعنون بالحقيقة رؤية الله عز وجل والاطلاع على قضاء الله وقدره وما أخفاه الله وأظهره.

ونحن نقول رؤية الله عز وجل في الدنيا لا يمكن أن تحصل لأحد كائنا من كان لأنها لم تحصل للرسل وهم أفضل الناس فكيف تحصل لمن دونهم؟! وحينما طلب موسى بن عمران رؤية الله سبحانه وتعالى قال له: وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إليك قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إلى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إليك وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف: ١٤٣]

ثم إن ادعاء القشيري بأن الحقيقة مشاهدة ما قضاه الله وقدره وأخفاه وأظهره فيه جرأة كبيرة على الله عز وجل لأن هذا يعتبر ادعاء علم الغيب مع أن الله سبحانه وتعالى قد أخبر بأن الغيب لا يطلع عليه أحد إلا من ارتضى من رسله حيث قال سبحانه وتعالى في كتابه عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن:٢٦ - ٢٧] والرسل أيضا لا يعلمون من الغيب إلا ما أعلمهم الله به عن طريق الوحي فالرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن الأحداث التي حصلت للأمم الماضية مع أممهم وأقوامهم وذلك لأن الله أعلمه بذلك عن طريق الوحي.

وقد أمر الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن ينفي عن نفسه علم الغيب فقال له قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إلى قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام: ٥٠].

إذا فدعوى القشيري بأن الحقيقة هي الاطلاع على قضاء الله وقدره أمر لا يمكن أن يكون لأحد مهما كان فعلم الغيب خاص بالله سبحانه وتعالى.

وقد جر مصطلح الحقيقة والشريعة المتصوفة إلى القول بأن العلم علمان ظاهر وباطن وأن العلم الظاهر هو علم الشريعة والعلم الباطن هو علم الحقائق. فقد روى المتصوفة حديثا (٢) ونسبوه إلى الرسول كذبا وزورا حيث قالوا إن أحد الصحابة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن علم الباطن فقال: ((سألت جبريل عن علم الباطن فقال: سألت الله عز وجل ثناؤه عن علم الباطن فقال: هو سر من سري أجعله في قلب عبدي لا يقف عليه أحد من خلقي)) (٣).


(١) ((الرسالة القشيرية)) لأبي القاسم القشيري (١/ ٦١).
(٢) كتاب ((السيف الحداد في أعناق أهل الزندقة والإلحاد)) لمصطفى كمال الدين البكري (ص: ١٦).
(٣) أخرجه ابن الجوزي في ((الواهيات)) (١/ ٨٣) (٩٠) وقال لا يصح وعامة رواته لا يعرفون، وقال الذهبي في تلخيصه باطل، وقال الألباني موضوع كما في ((السلسلة الضعيفة)) (١٢٢٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>