للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن هذا الحديث المكذوب نخرج بنتيجة وهي أن المتصوفة يعنون بعلم الباطن غير علمي الكتاب والسنة وأن هذا العلم لا يعلمه أحد حتى الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو علم يقذف في قلوب المتصوفة حسب زعمهم ولا يخفى ما في هذا الكلام من تفضيل أنفسهم على الرسول صلى الله عليه وسلم لأن هذا الرجل الصوفي زعم بأن الرسول سئل عن هذا العلم فقال الله له هو سر من سري ولم يعلمه إياه وعلى هذا فالصوفية يزعمون بأن هم يعلمون علوما لم يعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يعتبر منهم انحرافا خطيرا واستهتارا بالرسول صلى الله عليه وسلم وتقليلا من شأنه بالإضافة إلى أنهم كذبوا عليه وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)).وقال في نفس الصفحة: " وعلوم المشاهدات والمكاشفات هي التي تختص بعلم الإشارة وهو العلم الذي تفردت به الصوفية بعد جمعها سائر العلوم وإنما قيل علم الإشارة لأن مشاهدات القلوب ومكاشفات الأسرار لا يمكن العبارة عنها على التحقيق بل تعلم بالمنازلات والمواجيد ولا يعرفها إلا من نازل تلك الأحوال وتلك المقامات" (١).

ونقل أيضا عن غانم المقدسي ما يلي:

" اعلم أن العلم علمان علم الظاهر للشريعة وعلم الباطن للحقيقة"وكذب على الرسول فقال: "العلم علمان علم باللسان وعلم بالقلب فأما علم اللسان فهو حجة الله على عبادة وأما علم القلب فهو العلم الأعلى الذي لا يخشى الله العباد إلا به" (٢).ثم قال: " فعل القلب هو العلم اللدني لم يسطر في السطور وإنما هو تلقين من الله سبحانه وتعالى بغير واسطة ملك ولا سفارة" (٣).

فالنصوص المتقدمة كلها تثبت بأن المتصوفة يؤمنون بأن هناك علمين ظاهر وباطن وأن العلم الظاهر هو العلم الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله وأنه مجرد حجة فقط وأن العلم الذي يورث خشية الله سبحانه وتعالى هو علمهم المزعوم الذي سموه بعلم الحقيقة وزعموا أنهم يتلقونه عن الله سبحانه وتعالى وهذا الاعتقاد يعتبر كفرا فلا يمكن لإنسان يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا أن يفضل أي علم عن علمي الكتاب والسنة ولا يمكن أن يقول بأنه يتلقى علما عن الله سبحانه وتعالى يغنيه عن العلم الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما يقدم على مثل هذه الأقوال من فرغ قلبه عن الإيمان بالله وبرسوله وبكتابه وإلا فكيف يدعي الإنسان تلقي العلم عن الله مع بقاء الإيمان عنده. وقال ابن عجيبة الحسني " فالعلم الظاهر هو علم الشريعة والعلم الباطن هو علم الطريقة والحقيقة فإذا لم يحصل شيئا من هذين العلمين ثم ادعى مرتبة الشيخوخة فأخرجه من سفينة دائرة وألقه في بحر لجج النفاق" (٤).ونقل عن أحد المتصوفة بأنه لا يعتبر أحد من الرجال الذين يقتدى بهم إلا أن يكون جامعا لعلمي الظاهر والباطن حيث نقل عنه بأنه قال: "لا يقتدى في طريقتنا هذه بظاهر ولا بباطن وإنما يقتدى بمن جمع بينهما" (٥).

ثم قال ابن عجيبة: "واعلم أن ما شرطه هذا العارف في شيخ التربية من العلم الظاهر والباطن صحيح" (٦).


(١) كتاب ((السيف الحداد في أعناق أهل الزندقة والإلحاد)) لمصطفى كمال الدين البكري (ص: ١٦).
(٢) كتاب ((السيف الحداد في أعناق أهل الزندقة والإلحاد)) لمصطفى كمال الدين البكري (ص: ١٠٧).
(٣) ((السيف الحداد)) لمصطفى كمال الدين البكري (ص: ١٠٨).
(٤) ((إيقاظ الهمم في شرح الحكم)) لابن عجيبة (١/ ١٩٥).
(٥) ((إيقاظ الهمم في شرح الحكم)) لابن عجيبة (١/ ١٥٩).
(٦) ((إيقاظ الهمم في شرح الحكم)) لابن عجيبة (١/ ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>