للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن عجيبة في وصف الحقيقة: "الحقيقة شهود الحق .. ولا تطاق إلا بعد موت النفوس وحط الرؤوس وتصفية البواطن من الأغيار وتحليتها بالأنوار فمن اطلع عليها قبل ذلك خيف عليه التزندق لأن الحقيقة لا تدرك بالعلم وإنما هي أذواق ووجدان .. " ثم قال: " اطلاع المريد على الحقيقة قبل كمال الطريقة توجب له التقصير في الأعمال والتفتر في الخدمة فإن الحقيقة حلوة قد يشتغل بها ويهمل الشريعة ولذا قيل من تصوف ولم يتشرع فقد تزندق لتعريته الحقيقة عن الشريعة" (١).

ففي هذا النص صرح ابن عجيبة بأن الحقيقة عارية عن الشريعة.

وقال ابن عربي في " الفتوحات المكية" في معرض حديثه بأن المتصوفة تفيض عليهم العلوم فيضانا من الله:

" ولما رأت عقول أهل الإيمان بالله تعالى أن الله قد طلب منها أن تعرفه بعد أن عرفته بأدلتها النظرية علمت أن ثم علما آخر بالله تعالى لا تصل إليه من طريق الفكر فاستعملت الرياضات والخلوات والمجاهدات ... والانفراد والجلوس مع الله بتفريغ المحل وتقديس القلب عن شوائب الأفكار".ثم اقل: " فتوجه العقل إليه بالكلية والانقطاع من كل ما يأخذه عنه من هذه القوى فعند هذا التوجه أفاض الله عليه من نوره علما إلهيا عرفه بأن الله تعالى من طريق المشاهدة والتجلي لا يقبله كون ولا يرده كون" (٢).

وقال أبو حامد الغزالي في معرض حديثه عن أنواع العلوم التي يحصل عليها الإنسان.

" اعلم أن العلوم التي ليست ضرورية إنما تحصل في القلب في بعض الأحوال تختلف الحال فتارة تهجم على القلب كأنه ألقى فيه من حيث لا يدري وتارة تكتسب بطريق الاستدلال والتعلم فالذي يحصل بالاستدلال يسمى اعتبارا واستبصارا ثم الواقع في القلب بغير حيلة وتعلم واجتهاد من العبد ينقسم إلى ما لا يدري العبد استفاد من ذلك العلم وهو مشاهدة الملك الملقى في القلب والأول: يسمى إلهاما ونفثا في الروع والثاني: يسمى وحيا وتختص به الأنبياء والأول يختص به الأولياء والأصفياء والذي قبله وهو المكتسب بطريق الاستدلال يختص به العلماء. وحقيقة القول فيه أن القلب مستعد لأن تنجلي فيه حقيقة الحق في الأشياء كلها وإنما حيل بينه وبينها للحجاب المسدل الحائل بين مرآة القلب وبين اللوح المحفوظ العلوم من مرآة القلب وبين اللوح المحفوظ الذي هو منقوش بجميع ما قضى الله به إلى يوم القيامة وتجلي حقائق العلوم من مرآة اللوح المحفوظ في مرآة القلب يضاهي انطباع صورة من مرآة في مرآة تقابلها والحجاب بين المرآتين تارة يزال باليد وأخرى يزول بهبوب الرياح تحركه وكذلك قد تهب رياح الألطاف وتنكشف الحجب عن أعين القلب فينجلي فيها بعض ما هو مسطور في اللوح المحفوظ ويكون ذلك تارة عند المنام فيعلم به ما يكون في المستقبل وتمام ارتفاع الحجاب بالموت فيه ينكشف الغطاء وينكشف أيضا في اليقظة حتى يرتفع الحجاب بلطف خفي من الله تعالى فيلمع في القلوب من وراء ستر الغيب شيء من غرائب العلم تارة كالبرق الخاطف وأخرى على التوالي إلى حد ما دوامه في غاية الندور" (٣).وقد قسم ابن عربي العلم إلى قسمين: فطري ووهيب حيث قال:


(١) ((إيقاظ الهمم في شرح الحكم)) لابن عجيبة (٢/ ١٣٣).
(٢) ((الفتوحات المكية)) لابن عربي (٤/ ١٢١).
(٣) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (٣/ ٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>