للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الحكيم عبارة عمن جمع العلم الإلهي والطبعي والرياضي والمنطقي وما ثم إلا هذه الأربع مراتب من العلوم".ثم قال: " العلم النظري والعلم الوهبي وتختلف الطريق في تحصيلها تحصيل العلوم بين الفكر والوهب وهو الفيض الإلهي وعليه طريقة أصحابنا ليس لهم في الفكر دخول لما يتطرق إليه من الفساد والصحة فيه مظنونة فلا يوثق بما يعطيه وأعني بأصحابنا أصحاب القلوب والمشاهدات والمكاشفات لا العباد والزهاد ولا مطلق المتصوفة إلا أهل الحقائق والتحقيق منهم ولهذا يقال في علوم النبوة والولاية إنها وراء طور العقل وليس للعقل فيها دخول بفكر لكن له القبول خاصة عند سليم العقل الذي لم تغلب عليه شبهة خيالية فكرية يكون من ذلك فساد نظره وعلوم الأسرار كثيرة" (١).

فالنصوص المتقدمة التي نقلناها من كتب أئمة التصوف تثبت لنا بأن القوم يعنون بكلمة علم الباطن والظاهر أو الحقيقة والشريعة بأن هناك علما آخر غير العلم الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم يتلقون هذا العلم عن الله بواسطة الملك أو مباشرة عن الله بدون واسطة أو عن طريق الاطلاع على اللوح المحفوظ والاطلاع على ما قدره الله وقضاه منذ الأزل.

والاعتقاد بأن هناك طريقا آخر غير الطريق الذي رسمه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر من ربه يغني عن الوحي الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يكون في منزلة الوحي الذي أوحاه الله إلى رسوله أو هو أفضل منه يعتبر كفرا بواحا لأن الله عز وجل قال وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر: ٧]

وقال تعالى وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النور: ٥٤] وقد جعل الله علامة محبته اتباع رسوله فقال تعالى قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ [آل عمران: ٣١] وباختصار أقوال: فإن الدين كمل وإن النبوة قد ختمت فكل من يدعي تلقي العلوم عن الله بواسطة أو بغير واسطة فهو كاذب مفتر وادعاؤه تلي العلوم عن الله يغنيه عن علمي الكتاب والسنة أو تكون في مستويهما أو أحسن منهما يعتبر انحرافا عقديا يجب أن يتوب منه لأن ادعاء تلقي العلوم عن الله معناه أن النبوة لم تختم بعد وهذا يعتبر مخالفة صريحة للنصوص القرآنية والحديثية التي صرحت بختم النبوة وكمال الدين يقول تعالى مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب: ٤٠] ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا نبي بعدي)) (٢).

فدعوى المتصوفة بأنهم يتلقون العلوم عن الله وينظرون إلى اللوح المحفوظ دعوى كاذبة عارية عن الصحة تماما وإنما هي دجل وافتراء من أجل التعمية على والقضاء على الإسلام والمسلمين لأن المتصوفة رأوا أن علومهم تختلف تمام الاختلاف مع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسسوا قاعدة العلم الظاهر والعلم الباطن وأن العلم الباطن لمجموعة خاصة ليس لأحد غيرهم المقدرة على معرفته بل هو علم خاص بهم كما يدعون ولذا لا ينبغي لغيرهم أن يعترض عليهم لأنه محجوب عن علم الحقيقة وعلى حسب هذه القاعدة وهي القول بأن هناك علمين ظاهر وباطن فقد قسم المتصوفة العلوم إلى عدة أقسام واختلفوا في تقسيمها مع أنهم كلهم متفقون بأن هناك علما آخر يسمى علم الباطن يتلقونه عن الله سبحانه وتعالى.

فقد ذكر الهجويري عن محمد بن الفضل البلخي أنه قال في تقسيم العلوم:


(١) ((الفتوحات المكية)) لابن عربي (٣/ ٢٠).
(٢) رواه البخاري (٣٤٥٥) ومسلم (١٨٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>