للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"العلوم ثلاثة علم من الله وعلم مع الله وعلم بالله".

ثم قال "فالعلم بالله هو علم المعرفة الذي عرفة جميع أوليائه ولو لم يكن تعريفه وتعرفه لما عرفوه. وأما العلم من الله فهو علم الشريعة وهو أمر وتكليف منه لنا وأما العلم مع الله فهو علم مقامات الطريق الحق وبيان درجات الأولياء" (١).

وقد ذكر الهجويري بأن لكل من علمي الحقيقة والشريعة أركانا خاصة به وهذا مما يدل على أن المتصوفة يعنون بالحقيقة والشريعة أركانا خاصة به وهذا مما يدل على أن المتصوفة يعنون بالحقيقة غير الشريعة فقال:

"ولعلم الحقيقة أركان ثلاثة:

الأول: العلم بذات الله.

الثاني: العلم بصفات الله وأحكامها.

الثالث: العلم بأفعال الله.

ولعلم الشريعة أركان ثلاثة:

الأول: الكتاب.

الثاني: السنة. الثالث: الإجماع. (٢).

وقد سبب ادعاء المتصوفة بأن هناك علما يسمى علم الحقيقة يختلف تماما مع علم الشريعة الاستهتار بعلم الشريعة وأهلها وأنها ما جاءت إلا للعوام وطبعا هم يقصدون بكلمة العوام كل من لم يندرج تحت لوائهم ولو كان بحرا في علوم الشريعة.

فقد نقل أبو طالب المكي عن أحد المتصوفة أنه قال: " إن الله سبحانه وتعالى اطلع على قلوب طائفة من عباده فلم يرها تصلح لمعرفته ولا موضعا لمشاهدته فرحمها فوهب له العبادات والأعمال الصالحة" (٣).

فنفهم من هذا النص أن المتصوفة يعتبرون العبادات والأعمال الصالحة إنما أنزلها الله سبحانه وتعالى لأناس لا تصلح قلوبهم لمعرفة الله ولذا شرع لهم الأعمال الصالحة والعبادات بكل أنواعها وبما أن المتصوفة يعتبرون أنفسهم أنهم العارفون بالله حقيقة فلا تجب عليهم العبادات والأعمال الصالحة يعتبرون قد انسلخوا تماما من الأوامر والنواهي التي أنزلها الله في كتابه وفي سنة رسوله لأنه ليس هناك إسلام مجرد عن العبادات والأعمال الصالحة إلا إذا قال المتصوفة بأن علمهم الذي سموه علم الحقيقة ينص على هذا وهذا ليس ببعيد لأن علمهم المزعوم ما هو إلا من إلقاء الشيطان ووساوسه فمن الممكن جدا أن يوحي إليهم الشيطان بأن هذه التكاليف ما أنزلها الله إلا للعوام أما الزاعمون بأنهم عرفوا الله فليسوا مكلفين بها. وقد صرح المتصوفة بأنهم صعب عليهم التوفيق بين علم الشريعة وعلم الحقيقة المزعومة ومما يدل على هذا قول أبي يزيد البسطامي: "عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئا أشد علي من العلم ومتابعته" (٤).

وقد تولى المنوفي الصوفي المعاصر المعروف بأن مقصود أبي يزيد بهذا هو صعب عليه تطبيق الباطن على الظاهر والحقيقة على نهج الشريعة.

ومن هذا النص نستخلص بأن الحقيقة عند المتصوفة تناقض تماما علم الشريعة الغراء التي جاء بها محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام وما دام اعترف المتصوفة أنفسهم بهذا فنحن نقول إن من أهم العوامل التي أدت إلى انحراف المتصوفة هو قولهم أو زعمهم بأن علم الحقيقة يختلف عن علم الشريعة ومن يعتقد مثل هذا الاعتقاد لا شك أن مصيره هو الضلال كما حصل للمتصوفة لأنه ليس هناك علم ينجي صاحبه من النار يوم القيامة إلا علم الكتاب والسنة.


(١) ((كشف المحجوب)) للهجويري (١/ ٢١٠).
(٢) ((كشف المحجوب)) للهجويري (١/ ٢٠٧).
(٣) ((قوت القلوب)) في معاملة المحبوب)) لأبي طالب المكي (٢/ ٦١).
(٤) ((التمكين)) للهروي (ص ١٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>