للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بالغ المتصوفة في رفع شأن علمهم المزعوم وأوجبوا على كل إنسان أن يذهب إلى زعماء الطرق الصوفية من أجل أن يحصل على علم الحقيقة من الله مباشرة. وفي هذا يقول المنوفي: "اعلموا رحمكم الله أن علم التصوف يقال له علم الباطن" ثم قال: " لا ينبغي للعالم ولو تبحر في العلوم حتى صار وحيد أهل زمانه أن يقنع بما علمه وإنما الواجب عليه الاجتماع بأهل الطريق المستقيم حتى يكون ممن يحدثهم الحق تعالى في سرائرهم من شدة صفاء باطنهم ويصير أهلا لفيضان العلوم اللدنية على قلبه ولا يتيسر ذلك عادة إلا بسلوك الطريق على يد شيخ كامل عالم بعلاج النفوس وتطهيرها من الخبائث" (١).وقد صرح المتصوفة بأن علماء الظاهر – ويعنون بهم علماء الشريعة الإسلامية – ليسوا بحجة على علماء الباطن وهم علماء الحقيقة وذلك لأن علماء الحقيقة يعلمون علما لدنيا خاصا بهم يتلقونه عن الله مباشرة حسب زعمهم بينما علماء الظاهر لا يعلمون إلا الكتاب والسنة وهذه في نظر المتصوفة لا قيمة لها وفي هذا نقل ابن عجيبة عن أحد المتصوفة أنه قال: " لا تجعلوا أهل الظاهر حجة على أهل الباطن" ثم قال ابن عجيبة: " أي لأن أهل الباطن نظرهم دقيق وغزلهم رقيق لا يفهم إشاراتهم غيرهم" (٢).

وقد صرح المتصوفة بأنه ليس بينهم وبين علماء الشريعة أي محبة ولا مودة وإنما هو عداء وصراع مستمر وصدقوا في هذا لأن علماء الشريعة يقفون أمامهم حجر عثر ويبددون أفكارهم الواهية التي يزعمون بأنها حقائق ولكنها في الحقيقة ما هي إلا علوم شيطانية. وفي هذا يقول الشعراني نقلا عن شيخه إبراهيم المتبولي ويغره قال إنه سمعهم يقولون: " ما بيننا وبين هؤلاء المنكرين الذين ينكرون علينا مودة ولا محبة لأنه ليس معهم شيء لنستفيده ولا يقبلون منا ما هو معنا من المعارف والأسرار" (٣).

وفي هذا النص لقد صرح المتصوفة بأن علوم الظاهر لا تفيدهم شيئا لأنهم ليسوا في حاجة إليها وماذا يعملون بها بعد أن ادعوا الأخذ عن الله مباشرة حسب زعمهم.

وقد قال الشعراني: "إن أقل درجات الأدب مع القوم أن يجعلهم المنكر كأهل الكتاب لا يصدقهم ولا يكذبهم" (٤).

وهنا جنى الشعراني على نفسه وعلى أصحابه المتصوفة حيث صرح أنه ينبغي للمسلم أن يقف من المتصوفة وعلومهم كموقفه من أهل الكتاب وإنما قال الشعراني هذا الكلام لأنه رأى تناقضا واضحا بين الشريعة وعلمهم المزعوم وأنه لا يمكن التوفيق بينهما ولم ير مخرجا يخرجه من هذا المأزق إلا أن يصرح بأنهم كالكتابيين ونحن نقول لا نقف منهم موقف أهل الكتاب لأن أهل الكتاب نزلت عليهم الكتب ثم حرفت ولذا نقف مما يقولونه موقف المحايد فلا نصدقهم ولا نكذبهم إلا ما صدقه شرعنا أو كذبه بخلاف المتصوفة فإننا لا نعترف لهم بأنهم تنزل عليهم علوم خاصة من الله تختلف مع علم الشريعة الإسلامية ولذا يجب علينا إذا صدر من المتصوفة أو من غيرهم أي فعل يخالف الشريعة أن ننكر عليهم لأن من أوصاف هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال تعالى في كتابه العزيز: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران: ١١٠].

وقد نقل الشعراني عن سيده علي الوفا أنه كان يقول:

"التسليم للقوم أسلم والاعتقاد فيهم أغنم والإنكار عليهم سم ساعة في إذهاب الدين وربما تنصر بعض المنكرين ومات على ذلك"


(١) ((بداية الطريق)) المنوفي (ص: ٦٦).
(٢) ((إيقاظ الهمم في شرح الحكم)) لابن عجيبة (١/ ٦٣).
(٣) ((لطائف المنن)) للشعراني (١/ ١٤٥).
(٤) ((لطائف المنن)) للشعراني (١/ ١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>